[x] اغلاق
المحكمة الجنائية الدولية تتحدى أمريكا وإسرائيل
11/9/2020 8:19

المحكمة الجنائية الدولية تتحدى أمريكا وإسرائيل

الإعلامي أحمد حازم

في إحدى المناسبات، جمعتني الصدفة على طاولة مع صحفي من آيسلندا وصحفي إسرائيلي وكانت اللغة الإنكليزية هي القاسم المشترك بيننا. والسياسة بطبيعة الحال كانت الموضوع الرئيس لحديثنا. الصحفي الإسرائيلي طرح فجأة على زميلنا الآيسلندي سؤالاً غريباً من نوعه، فقد سأله: كيف يمكن أن تكون آيسلاندا عضواً في حلف الأطلسي(الناتو)  ولا يوجد لديها جيش.  وهنا ابتسم الصحفي الآيسلندي ابتسامة الواثق من نفسه ورد للإسرائيلي  الصاع صاعين بالقول:" تماماً كما يوجد لديكم في إسرائيل وزارة عدل  ولا عدل عندكم".  جواب مقنع ،وكما يقول المثل الشعبي:" من "يدق الباب يسمع جواب".

تذكرت هذا اللقاء، وأنا أقرأ خبراً بثته قبل أيام قليلة القناة السابعة الإسرائيلية حول رفض المحكمة العليا الإسرائيلية دعوى قضائية لمحاكمة قائد منطقة رام الله الأسبق، يسرائيل شومير، وذلك على الرغم من إعدامه لفتى فلسطيني في العام 2015 بسبب إلقائه حجارة باتجاه المركبة العسكرية التي كان يستقلها هذا الضابط، وقد لاحق الضابط الفتى وأطلق عليه ثلاث طلقات من مسافة قصيرة باتجاه ظهره ما أدى لمقتله فوراً. وقد بررت المحكمة قرارها برفض الدعوى، بأن "الحجر سلاح فتاك وأن سلوك الضابط له ما يبرره"، تصوروا عدالة مثل هذه المحاكم. 

هناك قواسم مشتركة بين سلوكيات الأمريكيين والإسرائيليين. وعلى سبيل المثال، عندما يقتل شرطي أمريكي مواطناً أسود دون أن يرف له جفن، يجدون كل التبريرات لعمله. حتى أن ترامب يدافع عنه لأن المقتول رجلاً أسود وهذه طبعا قمة العنصرية.  وفي إسرائيل عندما يكون المقتول فلسطينيا، يعمل الجهاز القضائي والشرطة (أو الجيش)  على إيجاد المبررات لتبرئة القاتل عسكرياً كان أم  مدنيا أم من المستوطنين. وعلى صعيد الحروب نظهر هذه القواسم المشتركة بصورة جلية. فالحرب الإسرائيلية التي شنتها إسرائيل على غزة  عام 2014  والتي سقط فيها آلاف الشهداء وارتكب فيها عسكريون إسرائيليون مجازر بحق الفلسطينيين، تشبه إلى حد كبير المجازر التي ارتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق.

المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، تستعد لفتح تحقيق بجرائم حرب ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وأيضاً ضد نتنياهو ووزراء آخرين وكبار ضباط في الجيش الإسرائيلي، وكذلك  التحقيق في جرائم حرب أميركية. بنسودا تعرضت لهجوم عنيف من الإدارة الأمريكية بسبب إعلانها عن التحقيق مع  ضباط أمريكيين بتهمة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية.  فقد سارع الرئيس الأمريكي ترالمب إلى الإعلان عن عقوبات ضد المحكمة الدولية ولا سيما ضد المدعية العامة بنسودا. لأنه يعتبر الجيش الأمريكي فوق القانون، وأنه يستطيغ فعل ما يشاء وارتكاب جرائم وممنوع محاسبته. 

ولا شك أن قرار ترامب له أكثر من خلفية سياسية. والمعروف عن ترامب أنه يكره المسلمين والسود وممارساته خلال فترة توليه الرئاسة الأمريكية تشهد على ذلك.  فما بالك إذا كانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية سوداء البشرة ومسلمة وتقف إلى جانب الحق. .بنسودا، يصح أن يطلق عليها لقب السيدة الحديدية لأنها لم ترضخ لتهديد ترامب، وقالت له بصوت عال :  إفعل ما تشاء وقرارااتك لا تخيفني.   

وفيما يتعلق بإسرائيل فإن المدعية العامة للمحكمة الدولية،  مصممة أيضاً على محاكمة كل الذين ارتكبوا جرائم بحق الفلسطينيين. صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قالت، ان إسرائيل وضعت قائمة سرية  بأسماء المئات من ضباط الجيش والمخابرات الذين قد يتعرضون للاعتقال في الخارج، إذا فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا في جرائم حرب إسرائيلية ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 إسرائيل تتجد نفسها الآن في ورطة سياسية كبيرة.  وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" في هذا الشأن،:" إذا قررت تل أبيب مقاطعة المحكمة وعدم التعاون معها، فإن المحكمة الدولية قد تصدر أوامر اعتقال سرية ضد إسرائيليين، دون أن تعلم إسرائيل، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إسرائيل الحذر بشأن سفر مسؤوليها وكبار ضباطها للخارج تحسبا لاعتقالهم،".