[x] اغلاق
...ما زلتُ مُحَرَّمة
7/10/2020 10:00

...ما زلتُ مُحَرَّمة

بقلم: مَاروُن سَامي عَزّام

كان دولاب حياتنا الزّوجيّة يصعَد جبل الأُلفة كزوجَين ببطء شديد وعندما نكاد نصل إلى قمّة التفاهُم، نبدأ بعملية تصعيد لهجة العتاب، فسرعان ما يتدحرج مُجدَّدًا الدّولاب بسرعة على منحدَر الشّجارات التي لم تعُد تُحتَمَل بيننا. هكذا عشتُ مع زوجي بلا هوية تحمل تفاصيلي، لا أملك ثمن تذكرة الاستقرار كي أدخل معه إلى دار الانسجام. 

سلب مني حقّي بالعمل حسب مؤهلاتي العلميّة، ألغى كل هذه الأمور من سِجِلي. صارت قسيمة الزّواج مجرّد ورقة لا قيمة لها عنده، ليُقال فقط إنّه زوجي الشرعي... عفوًا الرّجعي... إنّما بالحقيقة هو رجعي التعامل مع من حوله ووحشي المعاملة معي... ذات يوم طلبتُ منه الطّلاق، لم أصدّق أن يوافق زوجي بسرعة على الطّلاق، لكنّه فاجأني بموافقته السريعة وكأنه اعتبر زواجه منّي صفقة تجاريّة خاسرة... أخيرًا تمّت إجراءات الطّلاق ولأول مرّة شعرتُ أنّني ربحتُ عافيتي واسترجعت ما تبقّى من صفوي وتعقّلي، 

خرجتُ من هذه الفانتازيا، شريدة الفكر... مشرّدة التفكير، شعرت وكأنّي عدت "عزباء مُجدّدة" من ورشة التضحية!! عُدت إلى بيت أهلي، فحرموني الخروج من المنزل، فقط يحقُّ لي الذّهاب إلى العمل والعودة بنفس الاتجاه المحدّد. شعرت أنّني مربوطة بجهاز موجِّه للسّير، أسير باتجاه محدّد، حدّدته لي بدقّة الخريطة المنزلية... أشعر كأنّني أعيش لوحدي في منفى القهر، تحيط بي ظلال الشّك، بعد أن نبذني بعض الأقارب والأصدقاء، بسبب وصمة العار، المسمّاة "مُطلّقة"، فلو كنت جرباء لما قاطعوني، لزاروني في عزلتي. 

اكتشفتُ أنّ تحرّكاتي تُقاس حسب مقياس ريختر النّسائي، يُسجِّل في شريط ذبذباته الاجتماعية، أي حركة في وجهي، سواء التفتُّ، أو تفوّهتُ أو ابتسمت، حتّى أو ضحكت، يسجّل أي اهتزاز لجسدي غير مقصود، وكأنّني مُلاحقة قضائيًا. وجدتُ نفسي مُستَبعَدَة عن ضجيج الغليان اليومي... أسمع فقط سيّاف الصمت وهو يُقطّع أيّامي إلى فقرات استراحة قصيرة، كالسجينات في سجن النّساء. 

الجاني الكبير هو المجتمع وأنا المجني عليها، باختصار... أنا المذنبة الوحيدة، بينما الرّجل هو "صانع رجولته"، ليبقى المائد والسّائد الأبدي. لا أسمع ثرثرة اللقاءات التي أحبها، أسمع فقط ثرثرة الذّكريات حول مذبح ذاكرتي، تروي قصّة زواج تحوّل إلى تذكار أليم. تحوّلت الذّكرى إلى نكبة... لقد هربتُ من ثرثرة الذكريات، إلى صرخة العُمر التي تحوّلت إلى ندبة في جسدي، لا يمكن إزالتها بواسطة جلسات لدى أشهر طبيب نفساني. ليس هناك أي جدوى، لأنّ المجتمع قرر وأد كل مُطلّقة، تحت ثرى العار والخزي. 

قرّر أهلي وأد حياتي الخاصّة في مقبرة التعنيف الجماعية، يرجمونني بحجارة لومهم، كأنّني أول امرأة تنال طلاقها، بحجّة أنّي لم أتصرّف مع زوجي السّابق بما يرضي الله... لم أعرف أن أحفظ كرامتي، المتمثّلة ببقائي بالبيت، مهما كانت تصرّفاته مشينة... لم أصُن شرفي، المتمثّل بعدم طلبي منه الطّلاق!!، لأنّ المرأة المحترمة، تدرك أهميّة المحافظة على الرّباط الزوجي المقدّس، تسكت على الطغيان... مع أني أومن أنّ هذه النّصائح لم تعُد سارية المفعول في زمننا، إنّها تصلُح لزمن الأجداد المتزمّت عقائديًّا!!

انقطعت تمامًا علاقتي بمحيطي، أصبحت متوحّدة، انطوائيّة، لا أريد رؤية أو مخالطة أحد، لأنّي إذا اختلطت ببعض صديقاتي المتزوّجات، سيشعرن بالريبة مني، خوفًا على أزواجهنّ، يحسبن أنّني سأتّبع أسلوب القرصنة النسائيّة مع أزواجهن، فأختطفهم من سفينة العائلة الدّافئة. وإذا اختلطتُ ببعض شخصيات المجتمع، تُحمّلني نظراتهم المريبة مسئولية زواجي الفاشل ومسئوليّة ذنب عدم تفهّمي لطِباع زوجي السّابق. تنتاب جسدي قشعريرة لحد الغثيان، تكاد تستفزّني، ودَدْتُ أن ألكم الذين يتهامسون باحتقار عن المطلّقة. 

إذا قرّرتُ التقرّب من بعض الشّبّان، يعتقدون أنّ إغوائي رخيص وأني سهلة المنال وشهواتي سريعة الذّوبان في طقوس رغباتهم المحرّمة عليّ. المشكلة أن جميع هؤلاء يتجاهلون عمدًا، كوني ضحيّة لزوج فاشل غير حضاري وغير متفهّم لتقدّم المرأة... سدّ بعناده كل طرق التّفاهُم... لم يَقبَل أي تدخّل من الوجهاء، أو حتّى من عُقّال عائلتينَا.

أشكر ربّي ألف مرّة، أنّي لم أنجب منه طفلاً، ألا يكفي أنّي أنجبت منه أطفال البؤس والمأساة والمعاناة، الذين جعلوا ليس فقط حوض كياني جحيمًا، بل جعلوا أيضًا محيطي خرِبًا، يتجوّلون كإرهابيين عائليين، كل هدفهم نفي تصبّري إلى منفى اليأس، يتجوّلون فيه مثل زمرة اجتماعيّة، تبتز احتمالي لهذه المعيشة المقيتة، يمزّقون آخر أوراق أيّامي الورديّة الفرحة بنجاتي من براثن الأحزان، يُجبروني أن أحتفل بعيد ميلاد فسخ عقد زواجي، كي أضيء الشموع السّوداء لأتعس لحظات حب قاتمة عشتها في حياتي. 

لم تُؤنس وحدتي سوى التّعلّق بشبكة الإنترنت، التي أجالسها عندما أتفرّغ من أي عمل... فتحت صفحةً على موقع "الفيسبوك"، الذي بات حياتي العامّة، ومَنفَذي الوحيد لتَصَفُّح المجتمع الافتراضي، لربما أتواصل مع أشخاص منفتحين، متفهّمين، لعلّي من خلاله، أستطيع أن أفتح صفحة جديدة مع نفسي، خالية من الرّسومات البيانية لتصرفاتي، أو على الأقل أستطيع صد تأويلات النّاس الغوغائية... لعلّي أصادف عن طريق الدردشة الصمّاء، من هنّ أمثالي، ربما أنجح بقيادة ثورة نسائيّة، تضُم كل سّيدة مطلّقة، لنُندّد ببطش الرّجل.