[x] اغلاق
ما بعد بعد سقوط شفاعمرو (2) ومن هو كيس الخيش الشفاعمري ؟
18/3/2021 8:17

ما بعد بعد سقوط شفاعمرو  (2)

ومن هو كيس الخيش الشفاعمري ؟ 

تغريد ابو رحمة جهشان –محامية 

 يافا , شفاعمرو

 

المقال الرابع والاخير , المتعلق بسقوط شفاعمرو بعد المقال الاول " وكان لا بد ان تسقط شفاعمرو " والذي  تطرق للاحداث التي واكبت سقوط فلسطين بشكل عام والمدينة بشكل خاص يوم 1948/7/14 وذلك بعد معركة هوشة والكساير , والمقال الثاني " ما بعد سقوط شفاعمرو " به وصف لمشاكل البلد من نواحي مختلفة بعد سقوط المدينة , ولعل اهمها الحكم العسكري الذي فرض على الاهل بعد الاحتلال ,اضافة لتدمير الحياة المعيشية من حيث منع  اهل البلد من الوصول لاراضيهم ومزاولة الزراعة واعطاء الحق بذلك للمستوطنات اليهودية المجاورة , وصعوبة او استحالة التنقل للعمل خارج البلد ومنع من تهجر من الاهل بالعودة الى بيوتهم وعائلاتهم  والمقال الثالث  الذي يحمل نفس العنوان (1)  الذي تطرق بالاساس لقضية تهجير  سكان البلد ومحاولات العودة او " التسلل"  حسب المصطلح الرسمي للدولة . هذا المقال يتابع احوال البلد واستمرار المعاناة  بعد مرور ما يزيد عن النصف سنة على الاحتلال وخاصة الناحية التعليمية وتزويد المواد الغذائية لاهالي البلد والبطالة  وتتمة لقضية الاعتقالات.

تتمة الاعتقالات

في المقال السابق نشرت وثيقة (ارشيف الدولة ملف ج-51/1319 ) تشير الى اعتقال خمسة واربعين من الشفاعمريين  بتهمة  "التسلل"  او العودة الى بيوتهم  بعد الاحتلال منهم من كانوا متزوجين الامر الذي سبب معاناة كبيرة لعائلاتهم  في اوضاع من اصعب ما تكون ,الا ان اعداد المعتقلين كانت اكثر من ذلك بكثير ويُستدل على ذلك  من الرسائل الكثيرة  التي طالبت باطلاق سراحهم اضف الى ذلك اعداد المعتقلين الذين تم تهجيرهم بعد القاء القبض عليهم مباشرة  الى لبنان او الاردن .  دولة اسرائيل وجميع الدوائر المختصة بشؤون العرب وخاصة ادارة الحكم العسكري  تعاملت مع المواطنين كمجموعات طائفية دينية وفي هذا الاتجاه كان القرار الذي اصدره الحاكم العسكري في شفاعمرو بانهاء عمل المجلس البلدي  المنتخب وتأليف  "لجنة بلدية شفاعمرو" , وظيفة هذه اللجنة تقديم الاستشارة للحاكم العسكري في ما يتعلق بادارة امور البلد وانهاء صلاحيات  البلدية, واعضاءها هم رئيس البلدية جبور جبور وسليم فرح عن المسيحيين ,حسين عليان وصالح خنيفس عن الدروز والدكتور موفق ذياب وحسين نمر عن المسلمين , لجميعهم الرحمة.  الا ان  جبور جبور تابع التوقيع على المراسلات العامه  بصفته رئيس بلدية شفاعمرو (المقال الاول ما بعد سقوط شفاعمرو ) .هذا التقسيم انعكس على الاعتقالات فالرسائل التي طالبت بالافراج عن المعتقلين تعاملت معهم على اساس طائفي , فخوري طائفة الكاثوليك عمل لاطلاق سراح ابناء رعيته وعدد من اعيان المسلمين عملوا للافراج عن المسلمين الا ان المرحوم جبور جبور عمل مع الجميع ونيابة عن الجميع لشدة  معارضتة لهذا التوزيع .

من بين المعتقلين كان انيس مبدا النجار , وقد  ارسلت زوجته ماري العديد من رسائل المطالبة بالافراج عنه  وكان  يدعهما  بذلك  الاب  الروحي لطائفة الكاثوليك في البلد . وهذه واحدة من الرسائل التي ارسلتها

ملف ج-51/1319  ارشيف الدولة 

المرحومة ماري النجار التي عرفتها شخصيا لصداقة متينة ربطتنا انا وابنتها متيل  خلال الدراسة في المدرسة الثانوية الارثوذكسية بحيفا  بعد ان انتقلت العائلة للسكنى في حيفا  . فالمرحومة كانت امراة قوية الشخصية ناضلت كثيرا في حياتها وكانت سندا لزوجها وحاربت كثيرا من اجل بناء عائلة  وطنية مثالية باوضاع صعبة بعد الاحتلال . وان دلت كمية  الرسائل على شئ  فانما  تدل على صلابة عزيمة المرحومة ماري بالوصول الى تحقيق اهدافها وهذا ما حصل الى ان تم الافراج عن زوجها .

C:\Users\ג'השאן\Downloads\IMG-20210317-WA0020.jpg

انيس وماري النجار 

 ليس واضحا كيف ومتى وبأية شروط تم الافراج عن المعتقلين ولكن بعض المراسلات  تشير الى انه حتى شهر شباط  من سنة 1949 او ما بعد ذلك  لم يتم  الافراج عن عدد من المعتقلين ومنهم قاسم عبد الرحمن القصقصي الذي لم يفرج عنه حتى شهر آب سنة 1949 ,ايليا ناصر ابو الزلف ,صبري الياس قزعورة ,انيس مبدا النجار ودخيل موسى النجار واُفرج عنهم بمرحلة لاحقة .ملف ارشيف الدولة  ج-51/1319 

استمرت الاعتقالات وبشكل مكثف في بداية سنة 1951 حيث داهمت الشرطة وقوات من الجيش البيوت واعتقلت الكثيرين بحجة انهم " تسللوا " الى بيوتهم وبعد الاعتقال طرد ما يقارب 50 مواطن فقام عضو الكنيست توفيق طوبي بتقديم استجواب لرئيس الحكومة عن الامر يوم 1951/2/13 . الحاكم العسكري اجرى استفتاءا في نهاية  سنة 1950 اتضح منه ان هناك 400  مواطن  " متسلل" بالبلد , ارشيف الدولة  ملف جل  20/17031 .ولعل هذا الاستفتاء  كان فخا للمواطنين لتسجيل انفسهم ظنا منهم  ان هدف الدولة منحهم الاقامة , لتقوم السلطات بعدها بعمليات اعتقال وتهجير, وقد توجه عدد كبير منهم للمحامي تسفي شابيرا للدفاع عنهم الا ان ذلك لم يساعد كثيرا .وتشير احصائيات اللجنة العامة للاجئين في لبنان ان عدد اللاجئين الذين طردوا الى لبنان  من مدينة شفاعمرو في شهر آذار من سنة 1951 وصل الى 600 شخص وتؤكد على ذلك معلومات لجان الاغاثة التابعة للامم المتحدة . 

التعليم

كان التعليم في شفاعمرو منظما قبل الاحتلال فقد امتازت البلد بوجود اربعة مدارس  ابتدائية ,  اثنتان للبنات وهما مدرسة الراهبات ومدرسة البرتستانت ,واثنتان للبنين وهما مدرسة الكاثوليك التي كان يديرها المرحوم عزيزاللحام ومدرسة حكومية بادارة المرحوم جريس الحاج .بعد الاحتلال  وبمحاولة لمتابعة الحياة في البلد افتتحت مدرستا البنات ومدرسة الكاثوليك حيث تطوع عدد من المعلمين للتعليم , الا ان الاوضاع المالية كانت صعبة وقدمت طلبات الدعم المالي للحكومة  لمتابعة عمل المدارس الاهلية , الا ان جُلّ اهتمام  السلطة كان فتح مدرسة رسمية حكومية . 

 السلطة الحاكمة وجدت ان بناية مدرسة الكاثوليك ومساحة الصفوف غير ملائمة لمدرسة. وارادت فتح مدرسة حكومية بالبناية التي استخدمت سابقا لذلك بالرغم من ان اهل البلد ارادوا  استعمال البناية لمركز طبي ولكن السلطة لم توافق على ذلك . اما بالنسبة للتمويل فقد طالبت السلطة من البلدية تمويل 40% من مصاريف المدرسة ووافقت البلدية على ذلك بشرطيين بان تعطى صلاحية  تعيين المعلمين وأجرهم  للبلدية .وقدمت وثيقة بها معلومات عن المعلمين في البلد وعدد الطلاب الذين بلغ  318 وذلك بهدف تقدير التكاليف وتعيين المعلمين الذين عملوا بسلك التعليم زمن الانتداب الا ان الحكومة تراجعت عن هذه النسب واستعدت لدفع  30% من المصاريف والبلدية 30 % والباقي يغطى من رسوم تعليم يدفعها الطلاب  . 

 

ارشيف الدولة ملف ج -7/1318 مترجمة عن الرسالة بالعربية 

المواد الغذائية واحتياجات متنوعة 

عانت البلد من شحة المواد الغذائية  لاسباب عدة كما يحصل في ايام الحروب عادة الا انه هناك اسباب اخرى مثل منع اهل البلد من الوصول الى اراضيهم وجمع المحاصيل الزراعية وسرقة المستوطنات المجاورة والجيش لهذه الغلة كما حصل مع محاصيل المرحوم رشيد ايليا حبيبي وكثير من محاصيل اراضي يملكها دروز اضافة لمصادرة الكثير من الاراضي . 

ان منع السكان من التنقل الى خارج البلد كان عاملا اضافيا لنقص احتياجات البلد مثل النقص بالقماش فالتجار لم يمنحوا  تصاريح بالسفر الى حيفا لشراء الاقمشة  كما اعتادوا وقام تجار من دالية الكرمل بالحضور الى البلد وبيع الاقمشة مما سبب البطالة لتجار القماش . 

نقص آخر عانت البلدة منه هو مواد البناء وخاصة الاسمنت وكذلك عانت البلدة من النقص بالمحروقات او الوقود  فقد كان استهلاك البلد عشرة الاف جالون من الكيروسين والديزل والسولار سنويا  مما سبب بتعطل عمل المصالح العامة مثل معاصر الزيتون وطواحين القمح والسيارات هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فانه وان  اتيحت الوقود  فان اسعارها قد ارفعت بشكل كبير مما تسبب بتعطيل العمل بطواحين القمح في البلد ومنها طواحين امين فرح وشركاءه وفريد الدر وشركاءه فالحكومة فرضت عليهم سعر 3 او 4 ملات لطحن كيلو القمح بدلا من 5 ملات مما تسبب بتهديد  اصحاب هذه الطواحين باغلاقها لتفادي خسائر فادحة .ملف ارشيف الدولة  ج- 18/1319 

مشكلة اخرى واجهت اهل البلد , تغيير مكان  الحصول على المواد الغذائية وغيرها الى مدينة عكا بدلا من مدينة حيفا كما اعتاد على ذلك التجار الامر الذي سوف يرفع الاسعار اذ ان المواد ستنقل من حيفا الى عكا وبعدها الى شفاعمرو , هذا االتغيير لاقى الاعتراض الشديد . 

من ناحية اخرى قامت الحكومة بتزويد السكان بالمواد الغذائية الاساسية وتحديد اسعارها 

الاسعار بالملات 

 

 سوق العمل 

لقد تعطلت الاعمال بشكل شبه تام بالبلد فالمصالح التجارية لم يعد بامكانها الحصول على البضائع من خارج البلد وتوقفت كل نواحي العمل مثل البناء والزراعة والتعليم والتجارة  وكذلك توقف العمل في مصافي التكرير التي كانت مصدر عمل لكثير من العاملين وانتشرت البطالة بفروع الاعمال المختلفة وقد وصل عدد طالبي العمل المتسجلين لدى البلدية الى مئة واربعين ولكن مجموع  عدد العاطلين عن العمل وصل الى اربعمائة .  وهذه صفحة واحدة من اسماء المتسجلين .  ملف ج -51/1319

 

ان مأساة مدينة شفاعمرو والاوضاع الصعبة التي سيطرت على البلد ما هي الا جزءا بسيطا من النكبة التي حلت بالفلسطينيين .فما بين يوم وليلة تبدلت الامور وتشتت العائلات واصبحت العودة لبيوتها تسمى بالتسلل وسُدّت ابوابها امامهم لينفطر القلب من شدة الحزن على معاناة السكان وتنهمر الدموع على مآسي اناس آمنين طردوا من بيوتهم دون ذنب عدا عن رغبة شعب آخر بالاستيلاء على ما يخصهم ,وتتجلى المآسي الانسانية بحجم يشق الجبال فمأساة المهجرين لم تنته فقط بطردهم من بلادهم وانما عانوا الأمرين في البلاد الذي التجأوا اليها وتشهد على ذلك مذابح تل الزعتر وصبرا وشاتيلا .ولعل قضية التهجير ا"لاختياري "  الذي كان من نصيب ابن البلد احمد نعمة الخازم الذي اختار التهجير مع زوجته التي لم تحصل على الهوية وقامت السلطة بطردها وهي حامل بالشهر الثامن  ستبقى بالذاكرة وتأبى النسيان ونبقى نحن حراس الذاكرة .   

 

* شكري الجزيل للصديقة جهينة النجار التي تواصلت مع غادة ابنة انيس وماري النجار التي زودتني بصور لوالديها وشكري لها  ايضا  .