[x] اغلاق
كلمات في الرحيل الكاوي لجورج جوني نصرات حاجّ
23/8/2021 6:21

كلمات في الرحيل  الكاوي لجورج جوني نصرات حاجّ

عبلين ترتدي الأسود وتبكيك بُكاءً مُرًّا 

سمير فوزي حاجّ –عبلّين 

بالوَردِ والفُلّ والياسمين  كَفّناكَ ،

 بالأسْوَدِ ودّعْناكَ ،

 بالزفّةِ والأهازيج  غَنَّيْناكَ ، 

بالشّموعِ والدّموعِ سَقَيْنا  خُطاك

 

عبلين ثَكْلى مُتّشِحَةٌ  بالأسْوَدِ  ، حِدادًا وحُزنًا على رحيلٍ مُوجِعٍ ،   يَشْطُرُ  القلوبَ والنفوسَ وَيَقْصُمُ   الظَهْرَ. نشيجُ الأمِّ الثّكْلى  وهي تسير خلف النّعش مناديةً بوَلْعَةٍ وَحَسْرَةٍ كاويةٍ  ابنَها الرّاحل ، وَبُكاءُ الأبِ الثاكلِ يُقَطِّعُ  الأوصالَ ،  وعويلُ الأخواتِ الفاقداتِ سُؤدُدَ العَيْنِ ،  يُمَزّقُ  نِياطَ القلْبِ وَيَشُقُّ  عَنانَ السّماءِ . زهرةٌ نديَّةٌ شذيّةٌ ،  لمّا تتفتحْ  أكْمامُها بعدُ  ، اقتُطِعَتْ  عُجالةً من  بُسْتانٍ فوّاحٍ  .غصنٌ  رطيبٌ   غَضٌّ  ، اجْتُثَّ  فُجاءَةً من شجرة عبلين الخضراء  الشامخة . وعبلينُ تبكي فقيدَها الأملود .

كَمْ قاسٍ وموجِعٍ هذا الرحيل ! 

يُزرَعُ الزّهرُ وَيُقْطَفُ  لِيُزَيِّنَ حديقةَ البيتِ وساحاتِ الفرحِ وأردانَ العروسَيْنِ ، لكنّهُ قُطِفَ يا جورجُ ،  لِيُجدّلَ أكاليلَ عُرسِكَ الجنائزيِّ  وَوداعكَ الذّابح . ما أقْسى الدهْرَ ! هلْ نُرَدّدُ في هذا الحدثِ الجلَل ، ما خطّهُ يراعُ مُعلّمِنا وشاعرِنا  العبلينيّ جورج نجيب خليل ، في موقف مُماثلٍ : 

يا دهرُ وَيْكَ  كفاكَ غدرا          أقبلتَ  بالأرزاءِ  تَتْرى 

وَفَجَعْتَنا يا دهرُ  بمُصيبةٍ          وقطفْتَ  وِفْقَ هواكَ  بدرا

وَهَلْ نَكُفُّ عن سماعِ سيمفونية ِ مارسيل خليفة ، وهو يُغَنّي مزمورَ محمود درويش  الحارق :

"  وَأَعْشَقُ عُمْري  :  لأنّي إذا مُتُّ أخْجَلُ مِنْ دَمْعِ أمّي   "  ! 

كُلُّ كُنوزِ الأرضِ لا تُساوي دَمْعَةَ اُمّ  ، فكم بالحريّ حين تَذْرِفُ  الأمُّ دُموعَها في رحيلِ قُرّةِ عيْنَيْها   أمْلودِها الغالي ! 

رَاْفَةً يا شبابَنا بأمّهاتكم وآبائكم وأخواتكم وإخوتكم  ! على رِسْلِكُمْ يا شبابُ !  لا تَدَعُوا البومَ والغِرْبانَ تأتي إليكم  . ارحموا الأمهاتِ والآباءَ ..رُحْماكُمْ ...لا تشتروا ألعابَ الموت،  ولا تَدَعُوا عُيونَ آبائِكُمْ وأمهاتِكُمْ  تَذْبُلُ  ودموعَهم  تنهمرُ مِدْرارًا ، ولا تُشْعِلوا نيران الحُرقةِ  في قلوب أحبّائكم ...   

 الحياةُ  مُقدّسَةٌ فاحفظوا وحافظوا على ناموسِها ودُستورِها . لا مُزاحَ معَ الحياةِ الماكرةِ   .  وصفَها أميرُ الشّعراء أحمد شوقي  بالأفعى  الرّقطاء اللاسعة ،  التي تتظاهرُ بالنوم وتبُثثٌّ سُمَّها الزُّعاف  : 

 أخا الدُنيا أرى دُنياكَ  أفْعى                  تُبَدّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إهابا 

وأنَّ الرُّقْطَ أيْقَظُ هاجِعاتٍ                  وأتْرَعُ في ظِلالِ السِلْمِ نابا 

" الحياةُ حُلوةٌ يا صاحبي " !  كما كتبَ شاعرُ تركيا ناظم حكمت . كُلُّنا نُحِبُّ الحياةَ وأتَيْناها 

لنعيشَ  وَلِنُفْرِحَ أهْلَنا وأحْبابَنا ، وعَلَيْنا الحذرُ والتوجّسُ قَدْرَ المستطاع ،  لأنَّ صَوْلجانَ المَوْتِ 

لا يرحَمُ ، ولا يعرفُ الرأفَةَ . 

القلوب وجيعةٌ مَشْروخَةٌ ، والمآقي ملآى بالدموع السخينة .هذهِ الألوفُ منَ المُشيّعين المُتَسَربلين 

بالأسودِ حِدادًا لرحيلكَ الموجع يا جورجُ  ، هي بطاقاتُ حُبٍّ ورسائلُ شَوْقٍ وَمَحَبّةٍ   لروحِكَ 

المُرَفْرِفَة في سمائهم ، وهيَ مواساةٌ لأهلِكَ وأحِبَّتِكَ .

 أبوك " أبو جورج "  المُترنّمِ  باسمكَ  والمُزدهي  بحضورك ،  هّدَّهُ رحيلُكَ وَذَبَحَهُ فِراقُكَ . وأمُّكَ  كَلْمى ، قلبُها مُتْرَعٌ بالأحزان والأشواكِ  من فِراقِكَ  المُباغِتِ والصّادِمِ  . فلماذا هذا الرحيلُ الكاوي  ؟ 

كيف يرحَلُ عصفورٌ  كان تَغريدُهُ  يملأ البَيْتَ  مَرَحًا وفرحًا . وَيُعَطّرُ حياةَ أهلِهِ بَلْسَمًا ورحيقًا . 

جئناها لنعيشَها ولنشمَّ عبيرَها وعِطْرَها الفوّاحَ ، لا لنجرّبَ غدرَها ومكرَ أفاعيها ....فَحَذارِ مِنْ غَدْرِها .

قَوْسُ قُزَحٍ أخْفَتْهُ  وَحَجَبَتْهُ غيومٌ  . .نَجْمَةٌ خَبا نورُها . نيزَكٌ أضاء في سماءِ البيتِ ورحلَ . هَلْ 

كُنْتَ سرابًا  ؟  لماذا زار إلهُ الموت هذا البيت الوادعَ المحبَّ  للحياة وللناس ؟ 

كيف نحكيك في قاموسِ الأهْلِ  ( جورج الذي كان ) ،  وصورتُك كانت ، وستبقى مطبوعةً في 

عُيونِهِم وقُلوبِهِم  . الابنُ صورَةٌ مَنْقوشَةٌ في شرايينِ الأمِّ وتلافيفِ ذاكرةِ الأبِ والأخوةِ والأخوات . 

مصابُكَ / مصابُنا يا أبا جورج  جَلَل .والفاجع أليمٌ ، .تدمى لَهُ القلوب ،  لكن عزاءنا جميلٌ  بهذه 

المواكبِ والحشود  الكَلْمى والمحبّة.. كُلُّهُم أبناؤكَ .   . لن تبكي عبلين  الباقي في القلوب 

والعيون !

صَبْرًا جميلًا أمامَ نوائِبِ الدّهرِ الخؤونِ .  تقولُ الحياةُ :  لا بُدَّ ممّا لَيْسَ مِنْهُ بُدُّ  !  هذا دينُها وَدَيْدَنُها  مُذ كانَت .

هيَ الحياةُ مواجِعٌ ، ترسُمُ خُطاها وتطحَنُ الأخْضَرَ واليابِسَ ، ولا مَفَرُّ مِنْ قضائِها المُبْرَمِ   !

جَرّبَها الآباءُ والأجدادُ وقالوا فيها :"  مَشَيْناها خُطى كُتِبَتْ عَلَيْنا / وَمَنْ كُتِبَتْ علَيْهِ خُطى مَشاها 

/ وَمَنْ كانَتْ مَنِيّتُهُ بأرْضٍ  / فَلَيْسَ يَموتُ في أرْضٍ سِواها " .

السّلامُ لروحِهِ ! لِيُطَوَّبْ تِذكارُهُ ! ولْتَبْقَ  ذِكْراهُ العطرة تتضوَّعُ مِسْكا وبخورًا ولُبانًا ،  ولأهْلِهِ 

وأحبّائِهِ ومعارِفِهِ الصّبْرُ والسّلْوانُ .