[x] اغلاق
امـرأة مـن زمـن الإنسانِيَّـة لذكرى رحيل الفاضلة سميَّة رضى عزّام
13/12/2021 15:14

امـرأة مـن زمـن الإنسانِيَّـة

لذكرى رحيل الفاضلة سميَّة رضى عزّام

بقلم: ماروُن سامي عَزّام

نمشي خطوات سريعة على درب الحياة، يترك العمر بصماته محفورة في وجداننا، مخلّفًا أثرًا جميلاً لا يمحوه الزّمن، مهما حاولت أيدي الأيّام إزالته، لكنه يبقى مصانًا، فإن ما تركته الرّاحلة الفاضلة سميَّة ناصر عزّام، من إرث اجتماعي وتراث إنساني، سيبقى بالنسبة لشفاعمرو والمنطقة، رسالة إرشاديَّة للأجيال القادمة، مكتوبة بدواة تفانيها في عملها، وانخراطها في الحياة الاجتماعية الزّاخرة بالإحسان والخير والفضائل.    

عرفت الرّاحلة منذ أن كنت صغيرًا، حينها كانت تعمل مساعِدة للدكتور موفَّق دياب طيَّب الله ثراه، وكانت والدتي تأخذني لعيادته، بمجرّد الدّخول إلى غرفة الطّبيب، كنتُ أشعر بتحسّن فوري، كأنّي تلقّيتُ علاجًا ساحرًا شافيًا... وهذا يعُود لطبيعَتَي الدكتور موفَّق وسميَّة المرحَتَين والهادئَتَين، فشكَّلاَ ثنائيًّا إنسانيًّا مميّزًا، تمتّعا بروح الدّعابة، نشرَا بين المرضى الطُّمأنينة والارتياح النّفسي.

خلال عملها في عيادة الدكتور موفَّق، اكتسبت الرّاحلة الفاضلة خبرة علاجية، أهَّلتها القيام ببعض المهام العلاجيّة في منازل المرضى، فكانت تحقنهم بالإبَر، وكنت من ضمنهم، فعندما كانت تأتي لمنزلنا، ما زلت أذكُر جملتها المهدِّئة: "اتطلَّع لفوق، وين العصفورة؟"، وما أن تنتهي من مقولتها اللطيفة، كانت قد أنهَت مَهمَّة حقن الإبرة، دون أن أشعر بالوخزة التي كنت أهابها في تلك الفترة. اكتسبت سُميَّة محبّة جميع السكّان لطيبتها ولطيب أخلاقها، اسمها ما زال محفورًا في الذّاكرة الجماعيّة لدى الجميع، ما زال يشكّل علامةً فارقة في صفحات ذكرياتهم. 

كانت الرّاحلة بالنسبة للمتعالجين نصف العلاج، أمّا بالنسبة لها فإنها كانت وسيطة شفاء، ساهمت بتخفيف أوجاع المرضى... خفّفت ضيق العيش عن كل من قصدها، لم يتوقّف قطار عطائها الاجتماعي عن السَّير على سكّة الاستمراريّة، دون أن تتعب أو تتأفّف، لأنها اعتبرت عملها إنجاز شخصي لها، والسعادة التي كانت تراها في عيون النّاس، أسمى تقدير تلقّته في حياتها.

رغم أنها عاشت لوحدها، إلاّ أنها لم تشعُر بالوحدة، بل حافظت على علاقة حب وود مع جيرانها الذين أحبّوا الالتقاء بها... قدَّروا نشاطها الجسدي الذي بقي يدُور بداخلها مثل محرِّك لإرادتها الصَّلبة، فأدارت دفّة الحياة كما يحلو لها. لقد اعتَبرتُ منزلها ملتقى لأفراد العائلة، في عيد السَّيِّدة العذراء، فكانت تستمدّ منهم الهمّة والعزيمَة على تقديم الواجبات، فرأت في وجوههم الحنان الذي أشرَق عليها، فبادلتهم بالمِثل. 

استمدّ منها أبناء عائلتها أهميّة إتمام الواجبات الأُسريَّة والاجتماعيّة المترتّبة عليهم دون تقاعس. كانت دائمًا مُجنَّدَة لأي حدَثٍ عائلي، رغم تقدُّمها بالسِّن، ويبقى الأهم، أنها كانت على دراية تامّة بما يدُور حولها، اهتمَّت بالقراءة... ثقَّفت نفسها منذ حداثتها... أجادت اللغة الفرنسيَّة كتابة ولفظًا رغم صعوبتها...  حافظت على حضور الصّلوات والطّقوس الدّينيّة تحت أي ظرف، لشدَّة إيمانها الذي منحها قوّة ربّانيّة، مثل شقيقتها الفاضلة أم رامز الدُّر، التي ما زالت إلى الآن تزرع فينا المعنويّات العالية، وتنثر حولنا بريق الأمل، وحُب الحياة في نفوس الجميع، أمدَّ الله بعمرها.

مسيرة الرّاحلة سميَّة، حافلة بالإنسانيّة... عامرة بالإخلاص لأهلها ومجتمعها... استمتعنا بوجودها بيننا، فكانت ضيفة عزيزة، خفيفة الظِّل، حديثها راقي جدًّا، فيه عبارات الذَّوق اللفظي المنمَّق بالاحترام، تذوَّقت صِدق التعامل مع الجميع، كما قدَّست اللياقات السُّلوكيَّة، آمنت بقَدَرِها، لم تخَف من اقتراب موعد التقائها مع الباري على درب الآخرة، لأن أجرها عظيم عند القدِّيسين، وابنة الإنسانيّة.       

قد تكون صورة لـ ‏شخص واحد‏