[x] اغلاق
حــول مسلسل مَسِيرتـي مَسِيرة شخصيَّة بدون سيرة فَنِّيَّة واضحة!!
15/3/2022 4:52

حــول مسلسل "مَسِيرتـي"

مَسِيرة شخصيَّة بدون سيرة فَنِّيَّة واضحة!!

بقلم: مارون سامي عزّام

هكذا بدأ الحكواتي جورج وسّوف حكايته شِبِه الفنيّة لوحده، روى لنا حسب رؤيته الخاصّة فقط، بدون مقدّمات، بدون رتوش إبداعية أو فنيّة، ما تبقّى من آثار دولاب ذاكرته، الذي سار على درب مسيرته. أنا لا أسمّيه مسلسلاً دراميًّا بحتًا، أو Docudrama، أي وثائقي درامي، بل مجرّد سرد تسجيليّ بسيط ومختصرٍ لسيرته الفنيّة، فالمسلسل الوثائقي الدّرامي يعتمد على تسلسل تاريخي مدروس للأحداث، كما هو متّبع في عالم الدّراما، وخاصّة بالأعمال التي تتناول سيرة حياة شخصيّة شهيرة!! لكنّني أقول، أن مسلسل "مسيرتي" عمل شخصي أكثر منه فنّي، لم تستعِن "إم بي سي" بمختصّين عاصروه، أو رفاق دربه، أو بكاتب سيرة مختص، لم تتوجّه لشعراء وملحّنين، بل وجدته عمل فيه الكثير من الـ Nostalgia، بمعنى استذكار للماضي، واسترجاع جورج وسّوف عربة حنينه لذكريات طفولته. ولأول مرّة في تاريخ الإعلام الترفيهي، راوي السّيرة الذّاتية، هو الشّخصية ذاتها، وهذا أمر نادر جدًّا. اقتصر العرض على منصّة "شاهد"، لم تشترِهِ ولا قناة عربيَّة، لأنه ليس عملاً عربيًّا مشتركًا... لا يوجد نجمًا شهيرًا يسوِّق العمل عربيًّا، يعني "إم بي سي"، تناست أن عمليّة الإنتاج، مرتبطة بمجموعة مكوّنات، لم تأخذها بعين الاعتبار... إن هذه المنصّات أصبحت موضة العصر، تبث عبر شبكة الإنترنت، تنتج أعمالاً حصريّة لها، يعني محدودة الانتشار المتعلّق بعدد المشتركين، وبما تقدّمه من مضامين مشوّقة، حسب فئات عمريّة، وسياسة شراء الأعمال الدّراميّة، تعتمد دائمًا على اسم النّجم، فهو البيضة الذّهبيّة للقنوات الفضائيّة، فقط هكذا يزداد ربحها من مردود الإعلانات. لم يعتمد الرّاوي جورج وسّوف على سيرة حياة مرتّبة زمنيًّا، بل تحدّث عن مسيرته من منظوره الخاص، جلس إلى مكتب بسيط، غير مجهّز أو مرفّه، وكأنه جلس في غرفة معزولة، يروي للمحقّقين... عفوًا لمعجبيه عن أمور شخصيّة أكثر منها فنيّة، إذ ركّز فيها على علاقته مع والديه وبالأخص على التوتّر الذي كان سائدًا بينه وبين والده، برّر لنا شقاوته أيّام طفولته... روى عن الغسّالة الأولى التي اقتناها لوالدته، لقد فوجئت أنه خصّص حلقة كاملة تقريبًا، عن محاولاته المتكرّرة لإقناع والدة العروس، بالقبول به عريسًا لابنتها، التي تزوّجها لاحقًا. هذه الأمور الشّخصيّة لا تعني المشاهد كثيرًا، لأنها معروفة، ولم تُضِف شيئًا على مسيرة جورج وسّوف، مجرّد ثرثرة على مزاجه الغريب!! إن عملاً كهذا يحمل عنوان "مسيرتي"، أغراني كثيرًا، لكنّي صُدِمت كثيرًا، بأن عدد حلقات المسلسل لا تتجاوز الثّمانية حلقات!!، فمن هنا فهمت أن الحالة الصّحيّة لجورج وسّوف، كانت عاملاً مؤثّرًا، لا تتحمّل جلسات تصوير كثيرة. انتشرت ردود فعل غاضبة جدًّا من قِبَل السّعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب إنتاج مسلسل يتناول سيرة حياة جورج وسوف بأموال سعوديّة، فاعتبروه استفزازًا لهُم، لأن جورج من مؤيّدي الرّئيس بشّار الأسد، ومن أنصار حزب الله... هذه الانتفاضة اللفظيّة السّعوديّة على مدير "إم بي سي"، الإعلامي اللبناني علي جابر، أعتبرها زوبعة في فنجان، لأن العمل برمّته استهتر بتاريخ الوسوف، بل همّش قيمته علنًا، في المسلسل، لم يذكروا أنه كان في صغره يُلقَّب "بالسّوري الصّغير"، وكأن كلمة "سوري" أصبحت عيبًا... منبوذة سعوديًّا!! لا شكّ أن جورج وسّوف بات ظاهرة فنيّة استثنائية في العالم العربي، وليس مطربًا فقط، لاتّساع انتشاره في العالم العربي... حب الجماهير الشّديد له وهوسهم به، جعلتهم يعشقون حالته وكفاحه... نجدهم يحاولون تقليد نبرة صوته ومشيته، يستعملون بعض تعابيره الخارجة عن المألوف، لا يستحق عملاً بسيطًا، عنوانه أكبر ممّا شاهدناه على المنصّة!! عمل يتناول السيرة الجدليّة لجورج وسّوف، يجب ألاّ تقتصر على بضع حلقات، مبناها الدرامي مفكّكًا، ضعيفة نصًّا، هزيلة إنتاجًا، بل تحتاج لعدّة مواسم، كما فعلت منصّة "نتفليكس" الشهيرة، إذ أنتجت مسلسلاً من 4 مواسم، اسمه "The Crown"، "التّاج"، الذي تناول السيرة الحياتيّة بكل جوانبها، للملكة إليزابيث الثّانية، ملكة بريطانيا الحالية، الذي أثار ردود فعل متفاوتة في القصر الملكي. منصة "نتفليكس" كتبت عند كل محطّة من حياة الملكة، تاريخ كل حدث، على الشّاشة، بينما في مسلسل "مسيرتي"، لم تظهر على الشّاشة سنوات أحداث حياة الوسّوف الحافلة بالمشقّات، يعني انعدام الترتيب الزمني، يؤكّد لي أن تسريع عملية الإنتاج، كان تجاريًّا، كي تكون "إم بي سي"، السبّاقة عربيًّا في إنتاج مسلسل ضحل عن حياة جورج وسّوف!! أول مجموعة أغاني خاصّة غنّاها جورج، "ترغلّي"، "دِبنا ع غيابك"، "الّي تَعِبنا سنين بهواك"، "يا موَلْدَني"، وصدرت في ألبوم مشترك مع النّجم الصّاعد حينها راغب علامة، عام 1985، المسلسل تجاهل هذا الأمر تمامًا، بينما الغريب أكثر أن جورج وسّوف لم يأتِ على ذِكر تعاونه النّاجح مع الشّاعر والملحن الرّاحل شاكر الموجي في سنوات الثّمانينات، الذي لحّن له أجمل الأغاني، باعتراف من الوسّوف في إحدى مقابلاته التلفزيونيّة، بل انتقل بصورة غريبة إلى سنوات التّسعين متحدّثًا عن تعاونه النّاجح مع الملحّن المصري المعروف صلاح الشّرنوبي. هذه التصريحات المستغرَبَة وغير المتوقّعة للوسّوف، معروفة إعلاميًّا، كانت حاضرة أيضًا خلال المسلسل، أظهرت عفويّته الشّديدة، التي اعتاد عليها الإعلاميّون في كل ظهور إعلامي له، فلو سبقت عملية الإنتاج تحضيرات مهنيَّة حقيقيّة لكتابة النّصوص، ودأبت على احترام تاريخ جورج وسّوف، لتفادت شركة الإنتاج السّعوديّة مجمل هذه الأخطاء!! الجرأة التي تحلّى بها جورج وسّوف فاجأتني، وخصوصًا عندما تحدّث عن لعبه للقمار، وتعاطيه المخدّرات في شبابه، بصراحة لم أتوقّعها، فمن عادة الشّخصيات الشّهيرة، إخفاء هذا الجانب من حياتهم، والتعتيم عليه قدر الإمكان، لئلاّ تتشوّه صورتهم أمام معجبيهم، إلاّ أن جورج تحدّث عن المخدّرات وعملية الفطام بشفافيّة تامّة، دون أن يخجل من ذِكرها، ليوُصِل رسالة إلى جيل الشّباب، بعدم التفكير أو حتّى الاقتراب من هذه الآفات المدمّرة لصحّة ولحياة الإنسان، وفي نهاية العمل وجّه جورح نصيحة إنسانيّة قيّمة يُشكَر عليها، لذا وجدتُ أن المسلسل عبارة عن مسيرة شخصيّة مصوّرة، فيها وقفات بسيطة غير متعمّقة في تفاصيل حياته الفنيَّة الحافلة بالإثارة!!