[x] اغلاق
الحب لا يؤمن بسياسَةِ الأَمر الواقع
29/3/2022 11:53
الحب لا يؤمن بسياسَةِ الأَمر الواقع

بقلم: مارون سامي عزّام

لم أرَ الحب يومًا رافعًا علم الهزيمة وسط ساحة الصِّراع بين القلوب، لأنّه لا يريد أن يكُون ضحيّة أحد الطّرفين، لم يضع مصيره بين يدَي القَدَر... لم تنخفض درجة الأحاسيس في حوض الهيام، بسبب برودة الرّومانسيّة. وظيفة الحب تحريض العشّاق بألاّ يقبلوا سياسة الأمر الواقع التي تفرضها عليهم الفتيات "المتنوّرات بثقافة عنكبوتية افتراضيّة"، كي يمارسن على الشبّان فكرًا عصريًّا دخيلاً عليهم، مبنيًّا على فرضيّات عالم التواصل العشقي الحديث، غير المنطقيّ، من أجل أن يُحدّدن للشّبّان جدولاً مزاجيًّا لتوقيت الحب!! 

أشباه العشّاق الذين وضعوا له حدًّا فاصلاً بينه وبين تفكيرهم المطوّر اجتماعيًّا، "يتفاخرون" بعقليّتهم الشّرقيّة التي لا تستوعب الفتيات المجرّبات، فهؤلاء غالبية وجهة تجربتهم نحو الفشل منذ أول لقاء! هذه الشّريحة غالبًا ما تعاني من مشكلة في الالتزام الشخصي بأي علاقة يبدؤونها، إذا تعمّقنا في أدائهم، سنجد بداخلهم ترسّبات نفسيّة، نتيجة تجاربهم السابقة.   

إن فرض سياسة الأمر الواقع، تكون نتيجة ظروفٍ حتمية خارجة عن إرادة الشّبّان، تفرضه عليهم بعض الفتيات دون مبرّر، فيصدرن قرارًا بإغلاق حدود التعارف أمامهم، وكأنهم لاجئون يطلبون منهن أن يمنحوهم حق اللجوء العِشقي في دولة الأنا العظمى، متذرّعات بالدّراسة، العِلم لا يعطل عمل مجاس الحب الحساسة جدًّا، لأنهن ببساطة شديدة لم يُدركنَ أن فرض الأمر غير الواقعي، وغير الصّريح، هو الذي يشوش تفكيرهن العلمي!، من خلال إرسال موجات ردودهن الرّافضة لأي تعاون صادق مع المتقدّمين لهنّ!!

النجاح بالحب في هذا الزّمن، بات مَهَمّة شبه مستحيلة، جعلته يستعطف بعض الفتيات لتشفقن عليه، لإتمام هذه المهمة شِبه المستحيلة، كذلك سئم الشبّان من لعب دور المتسوّلين الذين يطرقون باب عقولهن المنغلقة، لأن كرامتهم درعهم الواقي، الذي يحافظ على هيبتهم. الحب كما تعلم بعض الفتيات، لا ولن يقتنع بأجوبتهن الحاسمة، لأنّهن حسب نظرته لم يحسمن أمرهن بصورة عقلانيّة، بل حَسَمنها بتصوّر أهوج وضيّق، فهو يريد أن يؤَمّن قلب الشاب بين يدي فتاة واقعية بتفكيرها... لها رؤيا مستقبلية منطقيّة، ليشعر بالارتياح معها.

يحق للفتاة أن تتردد بقرار الزّواج، فهذا آخر دور حاسم في حياتها الشّخصيّة، سيمنحها دورًا جديدًا لم تلعبه من ذي قَبل، ويُسمّى بعلم الاجتماع بـ Resocialization أي تهيئة اجتماعية، أقصد أن الفتاة تمر في عملية تحضير نفسية جديدة وشاملة، لأنها مُقبلة على عالم جديد، يشاركها فيه الزوج الذي سيتحمّل معها مسؤوليات جديدة، مثل إدارة البيت... تربية الأولاد وتعليمهم... إعالة الأسرة، وغيرها من الأمور...  

من جهة ثانية ليس من حق الفتاة العصريّة التي عولمت طريقة تصرّفها، أن تماطل بالرد على عرض الشّاب الصريح بالزواج، بل عليها أن تفسح له مجال التقرّب منها، وعليها أن تتحضّر لأولويات أخرى، كاستعدادها للتعرف إليه بدون شروط مُسبقة... أن تتجهّز بروح حقيقيّة للتفاوض معه... مراعاة ظروف معيشته، كل ذلك يجب أن يتم قبل تحديد موعد لقائه بأهل الفتاة. 

الشّبان الذين يعانون من رفض الفتيات، يريدون احتواء مصيرهم المشتّت، قبل أن يداهمهم العمر، ليعيشوا حياةً مستقرّة، يأنسون بالتّحدّث مع شريكتهم، بينما نجد فتيات ما زلن يعشن في "مناطق سياحية خيالية" من اكتشافهن، يبحثن فيها عن شبّان أثرياء، جذّابي المظهر!، فذلك يعكس افتقار تفكير بعضهن إلى شيء يسمى "الواقعية". 

فرض الأمر الواقع من قبل بعض الفتيات أعتبره سياسة فاشلة، تهيمن على واقعهن غير المحسوس، الذي لم يُلامس بعد التغييرات الطارئة والخطيرة الحاصلة اجتماعيًا بين شبّان اليوم، إذ نزح بعضهم بأفكارهم وإدراكهم المبكر عن بعض الفتيات اللواتي يقاطعونهن بسبب سوء تقديرهن، هذا التصرّف يدفع الشّبّان إلى تركهن، باحثين عن "نصيبهم" خارج إطار بيئتهم ومدينتهم، أي في أماكن أو قرى أخرى... بعض الفتيات للأسف لا تعلمن أن فرض الأمر الواقع الوخيم، ليس لصالحهن، بل سيُصنّفهن الزّمن تحت فئة "العانسات"!!

أيها الحب لا تستسلم، أعرف أن الغَلَبة لك في صراعك الأزلي مع بعض الفتيات، اللواتي نسين تمامًا أن حياتهن الشخصيّة ليست حِكرًا لهمّ، بل إنها بحاجة قبل كل شيء إلى أمان شخصي، قبل الأمان العاطفي، هيّا كافح أيّها الحب من أجل إلغاء ضريبة الأمر الواقع الذي تندّد به، تشجبه مع كل محاولة بعض الفتيات لإحباط عزيمتك أو ترحيلك وإبعادك عنوة عن المنطق السّيكولوجي الذي يلعب دورًا هامًا جدًّا في حياة كل فتاة، ويقول، عندما تصل إلى سن الثالثة والعشرين، تبدأ هي بالدخول في مراحل تطور وعيها ونُضجها. 

تبلور الحب في المرحلة المدرسيّة، عادة شبابيّة رائجة، بين الطلاب، ممّا يدفعهم أحيانًا إلى الالتزام بالزواج، دون الأخذ بعين الاعتبار، أبعاد تصرّفهما، فهل يستطيعون تحمُّل مسئوليّة الزّواج الكبيرة، التي تتعدّى حدود حبّهم؟! تساؤل يصعب عليهم الإجابة عليه، ولكنّي أضعه في إطار "فرضهم لأمر واقع مستجد" على أهاليهم، ولكن رغم ما مررت به أيها الحب من تغيرات في مناهجك... أساليب فهمك... في تعاملك الغريب مع عشّاق هذا الزّمن، لكنك لم تؤمن يومًا بسياسة الأمر الواقع