[x] اغلاق
وفاءً للعم أبي حسن، بدر أبو حجول
14/4/2022 8:40

وفاءً للعم أبي حسن، بدر أبو حجول

بقلم: زايد صالح خنيفس

لا بدّ في النهاية من الوصول إلى محطة الرحيل، فهي سر من أسرار الله لخلقه، ولا يملك الإنسان فيها إلا التسليم والقبول بقضاء الله. وفي صباح يوم الاثنين شُيّع إلى مثواه الأخير العم، الحاج أبو حسن بدر أبو حجول، عن عمر ناهز الثالثة والتسعين عامًا، موصيًا أحد أنجاله قبل أيام من وفاته، بدفنه إلى جانب والده الذي توفّي بيومٍ شفاعمري، فيه تحالفت شهامة السّكان مع كرامتهم، بأعقاب وقوع طوشة الباصات، في أوائل تشرين الثاني من عام 1959.  

لم تكن طريق حياة المرحوم مفروشة بالورود، ولم يتناول طعامه بملعقة من ذهب، بل نشأ في عائلة فقيرة فتّشت عن الرزق الحلال، وذاقت مرارة النكبة التي اجتاحت البلاد، وتهجير الناس من وطنها، فخرج المرحوم مع والده من شفاعمرو، واستقرّوا في مدينة بعلبك اللبنانيّة... 

...مكث هناك ثمانية أشهُر، وعند عودته بتاريخ 1950/11/12، حيث اعتقلته الشرطة، وأُبعِدَ الراحل ثانية، إلى الضفّة الغربيّة، ومن هناك إلى الأردن، عائدًا إلى لبنان ثانيةً، حتّى تدخّل والدي المرحوم، إذ كان والد أبو حسن يعمل في أراضي والدي الشيخ صالح خنيفس، فساعده على إصدار بطاقة هويّة. 

هنا كانت المحطّة الثانية والهامّة، في حياة الحاج أبي حسن، عندما أوكل إليه والدي مَهمَة إدارة الشئون المعيشيّة، وبقي هذا الحال على مدار أحد عشر عامًا، حاملاً ثِقَل الأمانة بإخلاص. المحطة الثالثة في حياة المرحوم، كانت بناء بيته مع ابنة عمه (زوجته)، من عائلة ياسين المحترمة، وتربية أولاده وبناته لتكون نِعَم الأُسَر في الأخلاق والتربية، ليتسلّم المرحوم منصب مدير للأعمال في إحدى الشركات المعروفة.

المحطات الصعبة تصنع الرّجال وتكشف معادنها، والرّاحل من مدرسة لأهل فتّشوا عن رزق الحلال، وساروا في الجبال تحت عتمة الليل الحالكة، فاقدين الأمل من العودة إلى الوطن والبلد الذي وُلِدُوا فيه، والأسلاك شاهدة، والأشواك غُرِزَت في أجساد كان حلمها البقاء، والعم أبو حسن عندما كنا نلتقيه، كان يُحدّث الجميع عن شريط لم يفارقه للحظة، وهي سنوات علاقته بوالدي الشيخ صالح خنيفس، فهنا تعاقبت كل الفصول مستمدًّا من سنينها تجربة الرجال.

انصهر الراحل بحياة مجتمعه، فكان جسرًا للأخوّة والمحبّة والتّسامح بين أبناء الشعب الواحد، وتحوّل بيته العامر إلى ملتقى أسبوعي، في مشهد شفاعمري ذابت فيه الأشياء الصغيرة، وكانت البلد مظلة الجميع، وأصبح الرّاحل صاحب الثّقة لصدقه ووفائه، وإيمانه بأن الدّين لله والوطن للجميع، مُصلحًا بين المتخاصمين، يُقرّب بين المتنازعين، تدخل إليه، تجده حاملاً القرآن الكريم، ينهل من سِوره، وتنزرع في وجدانه وضميره وعقله.

كان المرحوم أبو حسن قلقًا في حديثه من غياب القيادات الحكيمة في بلده، تقود السفينة بحكمة كما كان في الماضي الجميل، وقالها زعامة اليوم فارغة من مضمونها، تلهث وراء المصالح الشخصيّة، ورحيل العم أبو حسن في هذا الوقت العصيب يعتبر خسارة لا تعوّض، وقد نأتي اليوم لنبحث في القنديل عن آخر الرّجال، لكن عزاؤنا أن يبقى الأنجال سائرين على درب السّلف الصالح، يستمدون علومهم من مدرسة الكفاح والشقاء، وأن يبقى بيت الرّاحل ديوان العيش المشترك، المضيء بالتسامح، لن يخفت ضوؤه، عنوانه مدّ جسور المحبة بين النّاس.  

لك الرحمة أيها الرّاحل الكبير، فأنت بيرق الخير الذي يرفرف عطاءًا         

قد تكون صورة ‏شخص واحد‏