[x] اغلاق
سليلة آلام الفلسطينيين في الذِّكرى الأربعين لاغتيال الصّحفيَّة شيرين أبو عاقلة
7/6/2022 12:35

سليلة آلام الفلسطينيين في الذِّكرى الأربعين لاغتيال الصّحفيَّة شيرين أبو عاقلة

بقلم: مارُون سَامي عزّام

مع اقتراب الذّكرى الأربعين لاغتيال الصحفيّة الشّرسة إعلاميًّا، شيرين أبو عاقلة، على يد قنّاصة ولغاية الآن، ما زال الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي يتناحران في حلبة الرّوايات، حول هويّة الفاعل، رغم أن جميع الدّلالات والبراهين التي نُشِرَت في العالم عامّةً، وفي الولايات المتحدة الأمريكية خاصّة، التي تُجمِّل الوجه السياسي الإسرائيلي، تُشير إلى أن الجيش الإسرائيلي هو من قام بقنص شيرين عامدًا متعمّدًا، ولكن... إسرائيل كعادتها وضعَت مسبقًا ختم براءتها على جميع وثائق الإدانة الدّوليّة، من هذه الفعلة الدنيئة. سياسة الإنكار ما زالت تلتزم بها إسرائيل منذ اغتيال الكاتب الفلسطيني غسّان كنفاني عام 1972، وتُجيد ممارستها بدقّة، ولكنها لا تجيد سياسة استنكار أي اعتداء على العرب. هذه المرّة المؤسّسة العسكريّة "الأخلاقيّة"!! فشلت دعايتها الترويجيّة، لوجود تقنيات تكنولوجيّة فائقة الدّقّة، تستطيع تحديد بصمات الجاني، بالاستعانة بأجهزة رقمية خاصّة، لذلك أفيف كوخافي رئيس أركان هذه المؤسّسة أوقف التحقيق بالاغتيال، لأن الذي كان سيترأس لجنة التحقيق هو عسكري يرأس كتيبة "كوماندو" العسكريّة، وبما أن وحدة "دوفدفان" تخضع لإدارته الحربيّة، فمفهوم ضمنًا أن نتائج التحقيق ستكون مكتوبة بحبر الأكاذيب، المغموسة بدواة الشّبهات. إن جوهر هذا الحدث الإعلامي الإجرامي الموثّق دوليًّا، هو مسيرة الجنازة، وما تبعها من أصداء مندّدة بوحشيّة الشرطة الإسرائيليّة، لاستخدامها المفرط للقوة، دون رحمة... تابعتُ هذه المسيرة الجنائزيّة كغيري عبر الشّاشات، وشبّهتها بمسيرة آلام السَّيِّد المسيح عشيّة صلبه، بل أقول أكثر من ذلك، إنها كانت تجسيدًا حقيقيًّا مُصغّرًا لحق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، رغم أنف الشرطة والمستوى السّياسي والأجهزة الأمنيّة، الذين أعلنوا حالة استنفار قصوى للؤمهم، ودجّجوا وسائل حقدهم باستخدام الهراوات. حَمْل نعش فقيدة الإعلام العربي والسّير به في شوارع وأزقّة القدس، أكبر شهادة على أن القُدس غير موحّدة إسرائيليًّا، بل عاد الجثمان إلى مثواه في القدس العربيّة... رجال الشرطة الهستيريين، أخلّوا عمدًا بالنظام العام، وخلقوا هذه المواجهات، لخلق ذريعة استخدام القوّة ضد المشيّعين، مستهدفين النّعش، لئلّا يُدفن في مدافن القدس الفلسطينيّة. حين وُوري الجثمان في أرض القُدس، كان إعلانًا للعالم بأن القدس عاصمة الدّولة الفلسطينيّة، وضربة استفاقة شديدة، موجّهة للمجتمع الدّولي، لإحياء قلب عمليّة السّلام الميْت. هذه الجنازة أعادت إلى الواجهة العالميّة القضيّة الفلسطينيّة، رغم تغييبها إسرائيليًّا وتجميدها أمريكيًّا، خوفًا على حكومة المناوشات الائتلافيّة من التّفكّك!!... هذه الجنازة أثبتت بأنّ تعبير "القدس العاصمة الأبديّة لإسرائيل"، هو مجرّد تعبير تهييجي لا أكثر، وغطاء صهيوني مفبرك منذ 55 عامًا، فقط لإسكات جنون اليهود المتطرِّفين!!، يُذكِّرني بشعار "أمّة عربيّة واحدة، ذات رسالة خالدة"، المفرغ من أي مضمون. تفاقم حالة الصّرع الحكومي الرّسمي، برز حين رفع المشيّعون الأعلام الفلسطينيّة خلال الجنازة وفي القُدس، وبدأ رجال حرس الجنون... عفوًا حرس الحُدود بعمليّة نزع الأعلام من أيديهم، واعتدوا على سيّارة الموتى، ونزعوا بالقوّة العلم عن التّابوت، لأنه حسب المفهوم الخاص للشّرطة غير الرّسمي!!، ممنوع رفع علم دولة العدُو، مع أن رفع العلم الفلسطيني مسموح حسب القانون الإسرائيلي في أي مكان، بعد التوقيع اتفاقيّة أوسلو عام 1993، وإن ما قامت به الشّرطة هو خرق لاعتراف إسرائيل بالسّلطة الفلسطينيّة كممثّل شرعي للشّعب الفلسطيني، (أي قبل سن قانون حظر رفع الأعلام في الكنيست، بالقراءة التمهيديّة قبل بضعة أيّام). اعتبرَتْ الشرطة عبور الجنازة في القُدس، تدنيسًا "لطهارة" الأرض اليهوديّة، والاستعراض العنصري العنيف مقصود، الذي تابعناه، كان موجّهًا ضد أي مواطن عربي في البلاد يجرؤ على حمل العلم الفلسطيني، وبمثابة رسالةً رسميّةً من رئيس حكومة اليمين المتطرّف، بينيت للعرب، بأنّ هذه الدّولة مطوّبة لليهود فقط، والقوميّة العربيّة، غير قانونيّة، وليست إلّا ترخيصًا إرهابيًّا للقتل لا أكثر ولا أقل!! قال نحمان شاي: "مصداقيّة إسرائيل غير عالية في مثل هذه الأحداث، ونحن نعلم ذلك"، وقد شغلَ منصب النّاطق باسم جيش الدّفاع الإسرائيلي في فترة التسعينات. شيرين أبو عاقلة الإعلام العربية النموذجيَّة غير المنحازة إلّا للحقيقة، ستبقى روحها تتابع مآسي الشّعب الفلسطيني في ميادين الحقائق، نبرتها الحادّة جدًّا ستبقى تطن في آذان الأمّة العربيّة... كما ستبقى أوتار صوتها تُوتّر أعصاب الاحتلال، فسيرة إعلاميّة ميدانيّة مشرّفة، امتدّت على مدى خمسة وعشرين عامًا، لا يمكن إزالة بصمتها من صفحات النّضال الصحفي إذا جاز التعبير، لأن شيرين أبو عاقلة سليلة آلام الفلسطينيين.