[x] اغلاق
مصابٌ جلل وشعبٌ أصيل بقلم: زايد صالح خنيفس
16/6/2022 5:53

مصابٌ جلل وشعبٌ أصيل

بقلم: زايد صالح خنيفس

شلاّل الدم ما زال يتدفّق في شوارع قرانا ومدننا العربيّة، وفي وقت يخرج أصحاب الإحصائيّات والرتب والسّياسيين ببياناتهم، يُبشّرون بانخفاض مستوى العنف، والحقيقة هناك في شوارع بلداتنا، آثار بقعة الدم لا تزول بسرعة، وخرطوش نست طواقم التحقيق جمعه، وقد ضاع هناك على طرف الشّارع شلال الحقد، في الواقع إنها لعنة إلهيّة لشريحةٍ نقشت في عقولها الشّر المستطير، ناشرة الموت، فلا جدال ولا حوار يدور في دوائر عنفهم. قبل أسبوع ونصف فُجعنا بمقتل ابنتنا جوهرة، وكان الحدث بشعًا في تفاصيله، وارتقى لمستوى الدّولة، وأصبح قضيّة رأي عام، لتنضم المغدورة لقائمة مئات الضّحايا العرب الذين حمِلوا آمالًا مستقبليّة كبيرة، تاركين وراءهم عائلات وأطفالٍ، يحاولون البحث عن حياة جديدة، والواقع المر، لقد تحوّل القتل إلى حِرفةٍ مقابل حفنة من المال، ناسين بأن الروح جوهرة نفيسة ملك الواحد الأحد، وأي مشهد آخر هو بمثابة تطاول على جلاله وعرشه. لا أبالغ إذا قلتُ بأن الآلاف قد حضروا إلى شفاعمرو، إلى بيت الطائفة المعروفيّة، لتقديم واجب العزاء، من رجال دين وسياسيين وشخصيات اجتماعيّة، ومن أبناء شعبٍ يعرف واجبه في مثل هذا الحدث، وبعض الإخوة تحدّثوا من مشاعرهم الصّادقة، تجاه جماعةٍ تعرف الأصول وتقبُّل ما كنب الله. قالت والدة المرحومة جملة وما زلت أذكُرها: "لا تبقوا ابنتي صورة معلّقة في صفحات الجرائد، بل أناشدكم أن تعملوا شيئًا"، والمرحومة فتاة لا حول لها ولا قوّة، وسندها هُما والدان والله في مَراقب عدله. لن ندخل في هذه المرحلة في تفاصيل الفاجعة، لأنّنا نجهلها، لكنّنا نفهم بأن هناك من جلس في الزوايا المظلمة، وخطّط ونفّذ جريمته البشعة، ظانًّا أن الظلمة السّوداء بعيدة عن عيون الله، وغابت عن هؤلاء السّفلة أن فعلتهم جبانة، وإن تلاشت ملامح وجه الضحيّة البريئة، فوجهها ما زال مرسومًا في قلب أمّها وأبيها، وفي قلب الله. النّائب المعزّي أيمن عودة الذي حضر لتقديم التعازي، قال أمام الوجوه الحزينة: "شعبنا يا إخوتي أصيل، بحضور آلافه من النقب حتّى الجولان، ليخفّف آلامكم"، فقلت له: "دخل أحد الأشخاص إلى دار العزاء، وهو مقعد على كرسي متحرّك، محركًا نفسه بالضغط على الأزرار، وعندما سألته من أين أتيت، قال بحزن: "أتيتكم من النقب الصّامد"، فما أروع شعبنا، وما أكبره عند وقوع المصائب، لأن غالبيته السّاحقة، تنشد السلام والحياة. جوهرة شفاعمرو، تستطيعين أن تكوني مرتاحة في منزلتك الجديدة، ومن كان الضّحية، فإن الله في مرقَب العدل، لا ينسى خلقه.