[x] اغلاق
زاهد حرش... وقصّة شعب
8/12/2022 7:53

زاهد حرش... وقصّة شعب

بقلم: زايد صالح خنيفس

رحل ابن بلدي وابن صفي، الفنان المبدع الكاتب زاهد عزت حرش، أبو عيسى... تعود بي الذكريات، عندما التقينا في عمارة أبي مطيع الواقعة على طريق حي شيكون الفوار، التي استأجرتها المدرسة "ج"، وأنهينا الصف السابع، ومن بعدها أكملنا الصف الثامن بمدرسة جبور جبور. هنا كانت البداية بين كروم الزيتون، وحي العين ووادي "أبو عفن" الذي كان يفيض في أيّام الشتاء الماطرة، فيتعذّر علينا المرور باتجاه المدرسة، وهنا وعلى جانب الشارع القريب من حي العين، امتدّت شجرة العبهر، بزهرها الأصفر، تبعث بعطرها في الأحياء. المدير القيصر، كان يلف مدرسته وصفوفه، حاملًا العصا بيده، لمن عصى العلم، وخالف تربية الأهل... رحم الله تلك الأيام، عندما كان الأهل يقولون للمعلم: "إلك اللحمات وإلنا العضمات". كان للمعلم هيبته وللمدير مكانته... هنا التقيت مع زميلنا زاهد حرش الذي عوضه الله بما حرمه منه... متحدّيًّا، آتيًا من بيتٍ فقير، لعائلة شربت التربية الحميدة من نبع عزّة النفس منذ الولادة. عائلة عرفت كيف تبني جسور الألفة والمحبّة والتسامح نحو الناس... شاء القدر أن يأتي والده من بلاد الشّام في سنوات الأربعين، للحصول على تعويضاته، كَونه خدم في صفوف جيش البريطاني، وشاءت الأقدار أن تبقى الأسرة هنا، لتستقر في نهاية المطاف في مدينة شفاعمرو، إذ عصفت بالبلاد ظروف سياسية عصيبة، دفعت الوالد للانتماء للصفوف القوى الوطنيّة، التي تصدّت للتهجير والتشريد، ولاحقًا انضم المرحوم زاهد حرش إلى صفوف الجبهة، وحينها شهِد تراجعًا بصحته، مما أجبرته على استخدام الكرسي المتحرّك. لم تكن حياة زاهد حرش مفروشة في الورود، بل كان في قلب المعاناة، وأحكام الحياة القاسية، لكنه كان صلبًا، عصيًّا على الآلام، استطاع أن يبني بيتًا من العطاء. أدرك الرّاحل أن فن الإبداع، هو سلاحه في صراعه مع الظّروف، وتحدّى ظلم السلطة بكل أذرعها، رافضا الاستسلام بتلك البساطة، محلقًا في سماء الحرية دون أن يقيّد كرسيه المتحرك تحركاته. كان فراشةً ملونة بالإبداع، تتنقّل من معرض لآخر، متناسيًا حق جسده، مؤمنًا برسالة مقدّسة، نشرها بعزمه بين النّاس... كان مرسمه ساحة كفاحه، رسم على الصفحات البيضاء مشاعره الرقيقة ونَظَم الشعر بأحاسيسه الجيّاشة. زاهد عزات حرش قصة تحدّي، رسالته البقاء فوق أرضه بكرامة... لا يموت ولا يفنى شاعر ورسّام، حمل ريشة في الفضاء، والكلمات والرسومات ستبقى حيّة في صفحات الذاكرة المتدفقة من مصب الحقيقة، والسواقي لا تجف وإن رحل صاحبها، فهي هناك في ظلال شجرة، جلس في ظلّها، يحلم بأسوار كُتِبَ عليها قصة شعبٍ، ناشد السّلام وأسراب العصافير الآتية قبل شروق الشمس.

May be an image of 1 person