[x] اغلاق
... وطَرَدَتْ فُرسان النَّصيب
13/12/2022 10:23

... وطَرَدَتْ فُرسان النَّصيب

بقلم: مارون سامي عزّام

سيّدة لاذت إلى دنيا التنسك عن الحب، وزهدت في دنيا الآمال، تسير في ردُهات الأيام الضيّقة، "تتباهى" أنها كانت ذات يوم، نجمة شُباك المجتمع التي تهافت عليها المعجبون!! ركلتْ جميع فُرص الارتباط، وحقّقت رقمًا قياسيًا في رفض شبانٍ تقدّموا لها... ظنًّا منهم، أنهم اعتبروا موافقتها حتميّة، على اعتبار أن سقف متطلباتها لم يعُد كما في صباها!! بعد أن فقدت قدرة الجاذبية.

كُلّما نَظَرَ إليها رجل ما، يصيبها الذّهول، لتبدأ آلة تفكيرها تنتج لها أشعّة فوق الخيال العقلاني، تعطيها تصورًا وهميًّا لنظرات ذاك الرَّجُل، على أنّه يشتهيها غريزيًّا، كوَّنت نظرة غريبة عن الشّبان في ذلك الوقت، على أنهم رهينة لديها، فلفّت حول أذرعهم الممدودة لها، أسلاك تعَنُّتها، سالت منها دماء الحرَقَة واللوم ليس على أنفسهم، إنّما على طريقة تَعامُل تلك السيدة معهم، لأنها الخاسرة الوحيدة، أمّا الرّجال فصامدون كالصخور، أمام تقلّبات الدَّهر، فمهما تآكلت سِني عمرهم، فإن رجولتهم تُعمّر طويلًا...

أظهرت في الماضي للشبّان حسن نيتها بتقريب وجهات النّظر بينها وبينهم، كما تنازلت عن أمور أساسيّة بغية الزّواج، ولكنّ عندما بدأت تشعر أنها بدأت تدخل رويدًا رويدًا في نفق تقرير مصيرها، كانت ترفض هؤلاء الشبّان!! رغم أنها لم تعُد على قدر عالٍ من الجمال كما في سابق عهدها، حينها كان نبع أنوثتها يفور فورانًا من جسدها. 

تُصِرُ على عدم خوض تجربة جديدة في الحب، بعد أن خاضت معه معاركًا عديدة، لدرجة أنها جعلته ضحيّة تطفُّله!! نازلت قبيلة الزمن الهمجية، دون أن تستسلم لها، واجَهَتْ جيوش الشائعات الضارية بأسلحة اعتزازها بشخصيتها القويّة، حارب كبرياؤها ضميرها الخصم الأقوى، رافضةً الرضوخ له، وفي النّهاية تبَيّن أنها خسرت معاركها مع فرسان النّصيب بإرادتها، لكن رغم كل ما مرّت به، إلى الآن تعتقد أنها تستحق الشّخص الأفضل، حتّى لو رشقها الزّمن بحجارة الأوقات الضّائعة، فهي لم تهتم لرشقاته!!

تقف حائرة بين أسِرّة الأيام التي ارتاحت عليها سني عمرها المتعبة من تجاربها الغرامية... تستذكر طوابير المتقدّمين لها، فإذا سطعت نجومهم في السّماء، لأضاءوها بشخصيّاتهم المحترمة، لكنّها حجبت عنهم نور الأمل، تحلم أن يأخذ الحنين بيدها، لينصِّبها مجدّدًا مليكة عرش الرومانسية... تتمنّى لو فتحت قناة حوار مع ذاتها، لتوقظها من غيبوبة جهلها، لكانت أدركت فعليًّا حجم جنايتها الشّخصيّة على مستقبلها، لغدت الآن زوجةً مدبّرة لاحتياجات أسرتها، وقديرة منزليًّا، تحمل شهادة الأمومة من مدرسة الحياة!! بعد اصطدامها الشّنيع بحائط النّدم. 

اليوم تستنشق رائحة تذمرها الكريهة القادمة من ترعة يأسها، انضمَّت لقرصان قدرها، وركبت معه في قارب الوهم، تآمرت معه ضد نفسها!!! إن ما قامت به ليس لصالحها... فمن سيجرؤ بعد اليوم، التقرُّب من كهف تلك السَّيدة البرِّية، بعد أن أشعلت على بابه نارًا شديدة الاشتعال، تُبعد أي رجل يطمح بالتقرُّب إليها، ولو لمجرد الحديث العام. تحوّلت إلى منطقة منزوعة الحب، معتزلةً الحياة العامة... تجلس على كُرسي الحسرة الهزّاز، الذي يدفعها تارةً نحو الأمل الواعد وتارةً يُرجعها نحو قدَرها المكتوب... هي التي رسمت خريطة مصيرها بيَدِها، تؤمن أن الزمن سيبقى راعيًا أزليًّا لجمالها ورقتها، لا تعلَم أنه ينحت خِفيةً جمال جسدها بإزميل الظّروف. 

ليس هذا الوقت كي يحاسبها ضميرها على أخطائها. بعد هذا العُمر لن يجرؤ أحد أن يضغط عليها لتخوض تجربة جديدة، فيومًا ما ستجد سلسلة ذكرياتها حُطامًا، وذاكرتها خربةً، يكتنفها ضباب النّسيان. هذه السّيّدة استوفت شروط دخول نادي السّيدات العوانس، تُصَنَّف ضِمن مجموعة السّيِّدات اللواتي يحتفظن بأكبر أرشيف تجارب حياتيّة، ما زال موثّقًا في ذاكرة المجتمع. 

لقد فرضت على غريزتها الأنثويّة عقوبات الحرمان والكبت من التَّمتُّع بمزاياها. إذا اشتعلت فيها ذات مرّة شرارة ذكرى حبٍّ عابر، ستُشعل ملفّات علاقاتها الموجودة في صالتها، التي تحتوي على أحاديث سريَّة مع صديقاتها، ومزاحها مع الرّجال. كي تُعَوِّض عن سيئاتها، اتّخذت من منصّة "الفيسبوك"، ديوانًا اجتماعيًّا لها، تتحكّم به وهميًّا، تُوهم نفسها أنها ما زالت سيِّدة مؤثِّرة على الشبّان! من خلال آلاف متابعيها، المنتظرين "تدويناتها الغريبة"!! التي تُثير جدلًا واسعًا بينهم، فهذا الأمر يُفرحها، تشعر أنها أصبحت نجمة الإعلام الجديد، الملاحَقَة من قِبَل فرسان النّصيب الوهميِّين!!