[x] اغلاق
... وكان شيطان شفاعمرو صغيرًا
21/12/2022 17:56

... وكان شيطان شفاعمرو صغيرًا

بقلم: زايد صالح خنيفس

في الماضي كنت أسمع مقولة: "شيطان شفاعمرو صغير" والمعنى أنه في هذا البلد عاشت شخصيات عرفت واجبها وأدركت بحسها وعقلها وضميرها ووجدانها حجم المسؤوليات الملقاة عليها، وخاصة بقدرتها الحفاظ على السلم الأهلي وعلى العلاقات بين أهل المدينة. عرفت هذه الشخصيات كيف تكسب ثقة الناس وقلوبهم. 

رافقت والدي رحمه الله، خادما له، أتنقل به بالسيارة بين البلدات العربية، لحل المشاكل وعقد رايات الصلح وإصلاح ذات البين وتأدية واجبات اجتماعية. لقد رافق الوالد العم الياس جبور، أبو جبور والعم إبراهيم نمر حسين، أبو حاتم وكلاهما في ديار الحق.. 

عند وقوع مشكلة أو إشكال في شفاعمرو لم تنم هذه القيادات المستمدة قوتها من إيمانها، ولا تشرق شمس على البلدة إلا والمشكلة أصبحت من ورائهم... ومن هنا جاءت تسمية "شيطان شفاعمرو صغير"، لأن أهل الخير كانوا على يقين بأنه عندما يدخلون في أي مجتمع، كانت الناس تقدرهم مصغية لحديثهم، قيادة لبست ثوب الهيبة، وتفيأ الناس تحت ظل وقارها... 

كنت تدخل بلدًا، إلّا وتجد متحدّثًا باسم البلد.. والناس كانت تعرف كيف تتربع للحق وتبتسم له مخافة الله، متقبلة أحكام أهل الثقة... قيادات عملت بضمير حي، دون التشهير بمشاكل ومصائب الناس

وقع هذا الأسبوع في شفاعمرو شجارين ولن ندخل بالتفاصيل، وكنت حاضرًا في الحادثين لأسباب خاصة، وبلطف من الله لم تقع إصابات، لكن القاسم المشترك بين الحادثتين، كان التدخل المباشر لقائد شرطة شفاعمرو والمنطقة، الضابط ورئيس البلدية عرسان ياسين اللذين مكثا حتى ساعات الصباح، محاولين تهدئة الخواطر، وهنا عادت بي الذاكرة سنوات إلى الوراء، عندما هب أهل الخير لإخماد نار الشجار، وكانت الشرطة آخر من يَعْلَم، وإن علِمَت كانت لإغلاق المحضر.

الحادثان اللذان وقعا في شفاعمرو هذا الأسبوع، يستدعيان إعادة حساباتنا، سائلين أنفسنا: أين تلاشت قياداتنا؟! ومن الذي يقدر إمساك زمام الأمور وإرشاد شبابنا إلى أهمية احترام كبارنا، وغير ذلك سنكون بكارثة. لذا يقع على عاتقنا نحن الكبار واجب توجيه أولادنا، بعدم التورط مع القانون، لأن هذا سيؤدي إلى اتّخاذ إجراءات قانونية، عدا تكاليف المحامي الباهظة. 

رحم الله من قال: "كان يجبرها قبل أن تنكسر" ورحم الله من أناروا لنا طريق الإصلاح. أحيانًا أسأل نفسي: "ما الذي حدث لمجتمعنا؟!" وأتذكّر قول أحدهم عندما قال: "هناك من يظن بأن القحط هو قحط القمح والشعير، والواقع المؤلم في هذا الزمن الرديء، القحط أصبح قحط القيم والتربية الصالحة والثمن سيكون باهظًا.