[x] اغلاق
كريستين ترقد مع القديسين
3/1/2023 17:10
لذكرى رحيل الصديقة كريستين مشيعل – طُعمة
كريستين ترقد مع القديسين
بقلم: مارُون سَامي عزّام
مع نهاية كل عام يبدأ القدر بعمليّة غربلة بشريّة، فيقوم بنقل الذين نحبّهم عنوةً خارج حدود الحياة، بعد أن تأقلموا معها، تعايشوا مع مختلَف ظروفها، تمسّكوا بها رغم قسوتها، سايروا تقلّبات الزمن حتّى في عزّ ألمهم. طالبوا القدر أن يمهل عمرهم قليلًا، اختلوا مع ربّهم بدعواتهم الحارّة آملين أن يتركهم الموت في حالهم، لكنّه كان طاغيًا، فاختار من بينهم الزّميلة والصديقة كريستين مشيعل توما ونقلها إلى الآخرة.
كانت كريستين زميلتي في المدرسة هي وشقيقتها نسرين، تلك الفترة التي لا يمكن نسيانها، لأنها تميّزت بالمنافسة الدّراسيّة، فكانت كريستين شعلةً تتقّدُ منافسةً لتنال قسطًا وافيًا من العِلم، تحضِيرًا لمستقبلها الواعد. لم تلهو يومًا، منَحَتها جدِّيتها تركيزًا ذهنيًّا وتفاعلًا نبيهًا مع شرح معلِّميها... كان حب استطلاعها يوجّهها نحو فهم المواد بشكل أفضل، ممّا سهَّل عليها التأقلم مع طريقة التعليم.
اتّقَدَت نشاطًا مدرسيًّا، أحبّت الأجواء المدرسيّة. احترمت علاقتها مع زملائها في الصّف وقدَّرَت حق الزّمالة، فبادلناها بالمثل، لدرجة أنها بعد تخرّجنا من المدرسة حافظت على صداقاتها مع زميلاتها وزملائها في الصّف وبالأخص معي، فوجدتها تشع بشاشةً كما عهدتها، لم تبتسم لي مجاملةً، بل أقول إنها كانت تضحك من أعماقها فرحةً لرؤياي مُجدّدًا، فهذه طبيعتها التي لم تتغيّر منذ أيّام المدرسة.
استغلّت صفحتها على موقع التواصل الفيسبوك لنشاطها الدّيني. إيمانها الشديد قرَّبها أكثر من الرب والاختلاء مع نفسها. لقد واظبت بشكل يومي على متابعة الصّلوات الرّوحيّة. واكبت الفعّاليّات الدينية التي كانت تقام في شفاعمرو. انضمت إلى فرقة "أبناء مريم"، لم تتوقّف عن نشر الأدعية الرّبّانيّة على صفحتها لهداية النّاس إلى الصّواب.
غابت عن الأنظار منذ فترة طويلة، ولم أعُد أرى فعّالياتها على صفحتها التي اعتدتُ عليها، فقُلت في نفسي: "لعل انشغالها الأسَري، حجب إطلالتها المحبّبة عن متابعيها اليوميين عبر الفيسبوك؟!"، لكنّي ذُهلت عندما قرأت نعوتها، فحزنتُ جدًّا وتحسّرت لرحيلها المفاجئ... لم أعلَم أن ذلك المرض اللعين قد ألقى أيضًا بشِباكه الخبيثة نحوها واصطاد هذه الحوريّة الجميلة.
حاولتْ كريستين أن تمزّق شِباك المرض بشراسة، متسلّحة بالصّبر، متحمّلة المعاناة الشديدة من أجل أسرتها، متغلّبةً قدر الإمكان على الآلام العنيفة التي انتابتها، بمحافظتها على ابتسامتها وتفاؤلها أمام محبّيها والسّائلين عنها، كأنّها تَسْخَر من هذا المرض البغيض الذي لن يقوى عليها، لاتّكالها على شدّة إيمانها الرّباني الذي كان يفيض ورعًا وتقوىً من أعماقها.
إلّا أن الصديقة الرّاحلة كريستين أدركت أن العليّ القدير يحضّر لها مكانًا لائقًا في الحياة الأبدية... يريد انتشالها من أوجاعها كي يضعها في ملكوت الرّاحة. استعدّت لملاقاته بدون خوف لأنها مؤمنة بقضائها، وهذا درب النهاية الذي رسمه لها القدر. ذهبت كريستين إلى الرّب يسوع الذي كان وما زال بالنسبة لها هو الطّريق والحياة، وهو نور القيامة الذي سيهديها إلى رقاد القدّيسين.
May be an image of 1 person and brick wall