[x] اغلاق
هزَّة أرضيَّة أم رسالة سماوية
8/2/2023 8:44

هزَّة أرضيَّة أم رسالة سماوية

بقلم: زايد صالح خنيفس

الزلزال الكارثي الذي طال جنوب تركيا وشمال سوريّا، ما زال يشغل الرّأي العام العالمي، الصور والمشاهد المؤلمة التي تصل من المناطق المنكوبة. مشهد الأطفال العالقون تحت الأنقاض، والجثث التي لم تستطع طواقم الإنقاذ انتشالها لغاية الآن، والتقديرات الأخيرة تتحدّث عن عشرين ألف ضحية وربما أكثر.

انهارت المباني في لحظات، وبداخلها عائلات كانت تحلم بيوم آخر لعلّه سيكون أفضل من يوم مضى، وأطفال خلدوا لنومهم على أمل أن يستيقظوا لمدارسهم، وعمّال ذهبوا إلى فراشهم ليرتاحوا من عناء العمل، باحثين عن لقمة عيشهم، والزلزال لا ينبّه بشرًا ولا جهازًا محكمًا ولا طيرًا على شجرة، الزلزال لا يعرف ساعته إلّا الله بمرقاب عدله.

على حافة الثلوج في مدينة غازي عنتاب انتشرت جثث الموتى وتحت حطام الجدران أنجبت الأم ولدها مسلّمة روحها لباريها، وغيمة في السماء بكت وعصافير ابتعدت من هول المأساة، وأنهار بين التلال تجمدت دموعها، هناك تبعثرت أشلاء الأولاد الذين لعبوا حتى ساعات المساء المتأخرة، دون أن يفكروا في الموت، بل كانوا يعبثون ببراءة بالثلج الأبيض المتساقط على الشجر العالي.

قال الأمير السيد قدّس الله سره: "ما بين طرفة عين واستكانتها يغيّر الله من حال إلى حال"، والهزّة الأرضية تأخذك إلى مغُر ولغز تحاول استيعاب مشاهدًا تمرّ من أمامك في شريط سريع، والعلماء من واجبهم الدخول في تفسير تحرّكات طبقات الأرض، والكرة الأرضيّة رغم ملايين عمرها فإنها طبقات أرضها لم تهدأ، تتحرك من حين لآخر والرسالة واضحة لا تحتاج أحيانا لعلماء الجيولوجيا، والإنسان بطبيعته يصل لمرحلة ونقطة يسلّم أمره لله.

الزلزال الكارثي على مدار السنين وفي قراءة لمواقعه يستهدف المناطق الفقيرة، فهنا تظهر حجم المأساة الإنسانيّة. ألا يكفي أن هذه الطبقات المعدمة مظلومة معيشيا، فيضربها زلزال ويمحو آثارها عن الوجود.

"وأنت تنام وتحصى الكواكب فكّر بغيركَ، ثمة من لم يجد حيّزًا للمنام". وصلت إلى الأراضي التركية والمناطق المنكوبة بعثات الإنقاذ في محاولة لإنقاذ أنفاس وأراوح تحت الأنقاض، وأبنية شُيدت أساساتها على غش، والإنسانية لا تعرف الحدود، والعالم ما هو إلّا مطارًا واحدا تحط على أدراجه حلم بشرية تنشد الحياة.

صدق العلماء في تحليلاتهم فالشق السوري الأفريقي شاهد على ضعف طبقاته، والسنين أثبتت صدقهم، وصدقوا بما حللوه عن مناطق الأناضول الأكثر عرضة للزلازل، لكن العالم يتجه نحو مشاهد شؤم وظلم واستبداد وكفر وقتل وفجور، وابتعاد عن الإنسانية التي زرعها الله في قلوب البشر، والتوازن لم يعد في ميزان العدل، والهزة الأرضية قد تكون رسالة فحواها عودة إلى الذّات الإنسانيّة.     

No photo description available.