[x] اغلاق
لذكرى رحيل العم سامي زيتون مشيعل (أبو سهيل) نادته الإرادة السّماويَّة السّاميَة
11/5/2023 11:34

لذكرى رحيل العم سامي زيتون مشيعل (أبو سهيل)

نادته الإرادة السّماويَّة السّاميَة  

بقلم: مارون سامي عَزّام

عادت ورست سفينة الرحيل في ميناء الآخرة، عامت على بحر الحياة، تنتظر صعود شخصًا آخرَ لتنقله لمكان فيه أزليَّة الحياة، فحملت على متنها العم الفاضل سامي زيتون مشيعل، أبو سهيل الذي عانق لحظات الفرح، تصفَّح برقَّة أوراق حنينه للماضي. رجَّح ميزان صبره كفَّة تحمُّله للصّعاب، مُتغلِّبًا على عثرات الزَّمن، فكانت همَّته القويَّة شريكته الدّائمة في مسيرته المهنيَّة الطويلة.

أبو سهيل لم يتقاعس يومًا في البدايات عن أداء واجباته التحضيريَّة اليوميّة المطلوبة منه لإنجاح مَهَمَّته الشّاقة. تشارك في هذه المصلحة العائليّة مع شقيقه الأكبر، الرّاحل الياس زيتون مشيعل... فكوَّنا ثنائيًّا أخويًّا استثنائيًّا، جمعهما المصير العائلي والعملي الواحد طوال حياتهما المشترَكَة، جعلَا هذه البوظة الفاخرة جزءًا من تاريخ شفاعمرو.

استطاع العم أبو سهيل أن يَكُون ربَّ أسرةٍ كريمة عاشت متماسكة في وطن تربيته، تمتَّع أبناؤه في مَناخه المحب والمعطاء، منحهم إمدادات العيش الهانئ تحت رعاية سخائه غير المحدود... كان أبو سهيل السّاعد القويّ المساعِد لأبنائه في أي وقت، رافقتهم دفَّة أمانه الحياتيّة التي وجَّهتهم نحو حياة أفضَل. منحهم حريَّة اختيار مسارات مستقبلهم واختبار خياراتهم. 

لم تكُن الفاضلة أم سهيل شريكة عمره وحَسْب، بل أقول إنها كانت رفيقة استمراريّته بمكافحة الظّروف، دعمته بتضحياتها، تقاسمت مع الرّاحل الواجبات المنزليَّة... عندما بدأت الشّيخوخة تعترض سير حياة العم أبي سهيل، وتفرض القيود على حركته الجسديَّة، ساندته أم سهيل هذه المرأة الوديعة بتعاملها، القويَّة بحضورها وبأسها، الرّقيقة بحنوِّها. استمدّ الرّاحل من زوجته حب الحياة، فاتَّكأ على عكّاز تفاؤله، دفعته معنويّاتها ليرافقها إلى كافّة المناسبات، لأنّه أحبَّ الاختلاط بالنّاس، أطلَّ عليهم من شرفة واجبه، فكانت أم سهيل حارسه الشّخصي.          

ابنه البِكر سهيل بقيَ وفيًّا لتاريخ بوظة والده وعمه، وبقيت رؤيتهما الأساسيَّة في العمل ركيزة تطويره للمنتجات المثلَّجة، فحافظ على نكهتها الشَّرقيَّة. لقد اكتسبت "بوظة شفاعمرو"، شهرة قُطريّة واسعة وباتت علامة تجارية معروفة في كل البلاد، بفضل محافظة الأخَوَين الرّاحلَين على سر مكوّناتها، كما حظيت بتغطية واسعة في الإعلام الإسرائيلي لعراقتها.

 قيمة العم الفاضل أبو سهيل تكمن باحترامه للآخرين... قامته كرامته... قوامه محبَّة الجميع لشخصه المتفاعل مع مشاعرهم ولشخصيَّته المرِحَة التي كانت تداعب تحيّاتهم عند التقائهم به في الأماكن العامّة، هكذا تعامل مع زوّار بيته، إذ استقبلهم بابتسامته العريضة المعهودة، فاتحًا لهم وعائلته باب الترحاب الواسع باللطافة ودماثة الخُلق. تميَّز أبو سهيل بعلاقة صداقة وإخاء مع الأهل في طمرة، فكان يرافقه قريبه العم الرّاحل شفيق عزّام ليُقدِّما لهم فروض الواجب على أحسن وجه، فاستقبلوهما في ديار اعتزازهم بهما، واعتبروهما من الأهل.     

ما ميَّز تعامله مع زبائن المحل أنّه أحيانًا كان يُقدِّم حبَّة البوظة للبعض بدون مقابل، كتقديرٍ شخصي منه لعلاقته الطيِّبَة مع جميع أهل البلد، هذه الميزة تناقلها جميع أفراد العائلة الذين يعملون اليوم في المحل، وقد أصبَحَت بصمة سعادة على جدران إنسانيَّتِهم. ما زالت قافلة الوفاء لذكرى أبي سهيل تسير على درب الذّاكرة المليء بالذِّكريات التي ترافقها الوجدانيّات... تعدادها الأوقات الممتعة التي أمضيناها برفقته. سيبقى أبو سهيل على قيد اشتياقنا لجلساته الأنيسة ولكنَّ القدر ناداه ليُلبّي نداء الإرادة السّماويّة ليَكُون مَسكنه الحياة الأبديَّة في رحاب الملكوت.