[x] اغلاق
لذكرى رحيل العم أمين جاد عزّام (أبو نزار) تـراتيل جوقـة الحياة الأبديَّـة
30/5/2023 8:59

لذكرى رحيل العم أمين جاد عزّام (أبو نزار)

تـراتيل جوقـة الحياة الأبديَّـة

بقلم: مَاروُن سَامي عَزّام

خوابي العمر مليئة بالذكريات المربوطة بسلاسل اللحظات المُشرقة، مركونة في غرفة الزمن، قد تحطِّمها مطرقة القَدَر، فينسكب منها طيوب الأيّام الماضية التي أمضيناها برفقة أشخاص أحببنا إطلالتهم، ارتحنا لملامح وجوههم التي انعكست لطافةً على طاولة الحياة اليوميّة المحمَّلة بشتّى أحمال الهموم؛ ولكن عندئذٍ طرق مبعوث الآخرة باب العم الفاضل أمين عزّام، أبو نزار بقوَّة، الذي كان رفيقًا دائمًا لتعاليم السيد المسيح على الأرض، وسلَّم قَدَره إلى الموت في الموعد المحدَّد.

سحابة تربية أبو نزار مثقلة بالوفاء، ظلَّلت أسرته بالوفاق... أمطرت عليها أمطار الحنان، السّلام والتماسُك الأخوي. كان أبو نزار المحور المعيل الذي دار حول ساقية تضحياته من أجل أن يَدُور دولاب العيش الآمن، ليَسقي سهول معيشته. كانت زوجته الفاضلة أم نزار وسادة الرّاحة لأبي نزار ورُكن سعادته. أنا أعتبرها المربِّيَة الحكيمة لأسرتها، إذ استطاعت تجاوز حواجز الزّمن من خلال تأشيرة صَبرها، حصَّنت جدران بيتها بالتآلف والودِّ تحت حماية الرّب يسُوع، فاستطاعت أم نزار برفقة زوجها أن يقهرَا زمرة الظّروف. 

استطاعَا نجلاه نزار وعامر أن يكُونا مثالًا للنّشأة المسيحيَّة الحقيقيَّة المُثلى، التي تلقّياها من والدهما أبي نزار، نجحَا في حياتهما الأُسريَّة والمهنيَّة على حدٍّ سواء، تبادلَا المحبّة الأخويّة، عملًا بقول السيد المسيح "أحبّوا بعضكُم بعضًا، كما أنا أحببتكم"... اكتسبا محبَّة النّاس ومن حولهما، بتعاملهما النَّبيل رفيع المستوى، فنَفَّذَا وصايا والدهما وأكرماه خير إكرامٍ في كِبَره.

أبو نزار كان خليقًا بمحبَّة الآخرين له... فَرِحَ بلقياهم سواء في المجتمع أو خلال خدمته الكنسيَّة الطّويلة كشمّاسٍ رئيسي لكنيسة الرّوم الملْكِيين الكاثوليك في شفاعمرو لأكثر من نصف قرن، عاصر فيها عدّة كهنة أثنوا على تفانيه في خدمة بيت الرَّب... استمتعوا بطبقات صوته، كانت التراتيل تخرج من فمه كأجراس الأعياد، حتّى غدت رفيقة كل المناسبات الدّينيّة... حافظ على ممتلكات بيت الله، صان كُتُب الصّلوات. اعتَبَرَ العم أبو نزار الكنيسة بيته الثّاني، فأمضى فيها الكثير من الوقت، مُحافظًا على محراب هيكلها. 

بقي فتيل قنديل الإيمان مشتعلًا بالتقوى، فتوهّجت حوله هالة مخافة الله، التي عكست على الرّاحل ظل الضّمير الحيّ الذي لازم تعامله الصّادق مع أهله وناسه وجيرانه، وخاصّة مع أهل بيتنا، فكرَّمناه باحترامنا وتقديرنا الشّديدين له ولانتمائه العائليّ، كان كلّما قام بزيارتنا أو شاركنا مناسباتنا ردَّدَ دائمًا بفخر كبير جملته الصّادقة: "بعتَز ببيت عمّي صبري".

حَرِصَ دائمًا في حياته اليوميَّة على أناقة مَلْبَسه، كذلك في المجالس العامّة والخاصّة كان أبو نزار نموذجًا للرَّجُل المبجَّل، اتَّسَمَ بِشخصيَّته الأمينة التي لمسها فيه الجميع، حديثه كان أنيقًا مرتّبًا، فلم يؤذِ أحدٌ بكلامه، كما تجنَّب إحراج أيِّ إنسان، لم يجرَح يومًا كرامة الشخص الذي بحضرته، كان يختار كلماته بعناية فائقة، دليل احترامه للذائقة الاجتماعية.       

عندما يكُون الرّاحل مدعُوًّا شخصيًّا من قِبَل أهل أحد العروسَين... كان يُرتِّل في مراسِم الإكليل بصوته الحنون الترتيلة المعروفة "أيُّها الرّب إلهنا بالمجد والكرامَة..."، جميع كهنة الكنائس المختلفة قدَّرت وجود أبي نزار كمرتِّلٍ في كنائسها. إنّ صوته قد بات علامة مسجَّلة في الذاكرة الشفاعمريَّة، كم خشع المصلّون لسماع أوتار صوته المتناغمة مع اللحن البيزنطيّ، بينما كانت جوقة الحياة الأبديَّة تتحضَّر كي تُرتِّل لأبي نزار ترتيلة الوداع... لتستقبله في ملكوت الله راضيًا بقضائه، مُتمِّمًا واجباته الأرضيَّة والدّينيَّة.    

 

           May be an image of 1 person