[x] اغلاق
بلاو: لم أكن أعرف أن رحلتي ستتحول فجأة إلى فيلم استخباراتي
12/4/2010 11:41

لم يفاجئني الاتصال الذي تلقيته قبل شهر: "تعرضت شقتكم في تل أبيب للمداهمة، هناك الكثير من الفوضى ومن غير الواضح ماذا أخذوا معهم". هذا ما أخبرني به المتحدث من الطرف الآخر. وبعد نصف ساعة كنت أتصبب عرقا في أحد أكشاك الهاتف في بانكوك، والبعوض من حولي، أتحدث مع الشرطي الذي كان في الشقة، حيث قال: "يبدو أنهم بحثوا عن شيء ما هنا".

كان نبأ اعتقال "عنات كام" قد وصلني في وقت سابق، عندما كنت في الصين التي وصلتها بداية كانون أول (ديسمبر). والحقيقة أنني عندما غادرت البلاد لم يكن هناك أي سبب يستدعي الاعتقاد بأن رحلتي هذه، أنا وصديقتي، ستتحول فجأة إلى فيلم استخباراتي، دون أن نكون على علم بأحداثه أو نهايته!!!

كما لم أتوقع أنني سأضطر للبقاء في لندن، كإنسان وصحافي حر، لا لسبب إلا لأني نشرت تقارير لم يرق نشرها للسلطات. غير أن المعلومات المقلقة الذي وصلتني من إسرائيل، والتي بدأت تتراكم الفترة القصيرة التي فصلت بين هذين الاتصالين، لم تبق لي أي خيار آخر.

وفجأة تحولت القصص التي قرأتها في روايات الرعب، إلى واقع أحياه. عندما يقولون لك بأنهم يعرفون عنك أكثر بكثير مما يمكنك أن تعتقد، ويوضحون لك بما لا يقبل الشك بأن هاتفك الشخصي، بريدك الإلكتروني، حاسوبك، وكل وسائل اتصالك، تحت المراقبة منذ فترة طويلة، فإن هذا يعني أن أحدا ما، في منصب رفيع، لم يفهم حقا بعد ما هو جوهر الديمقراطية، وما هي أهمية حرية التعبير وحرية الصحافة والحفاظ عليهما.

عندما يتضح لك أن بحرا من رسائل الشكوى ضدك، والصادرة عن مجهولين وفيها معلومات شخصية كثيرة، تجد طريقها إلى سلطات التحقيق المختلفة ، يبدو لك بشكل واضح بأنك مستهدف، وبأنك في مرمى نيران قوى أكبر منك وأقوى. ولن تتردد هذه القوى باستخدام أية وسيلة من الوسائل المتاحة لدولة إسرائيل، والتي لا أرغب حتى بمجرد تخيلها.

لذلك، قررت عندما أبلغوني بأني قد أكون مشلولا إلى الأبد إن عدت للبلاد، وأن الوسيلة ستكون تقديم لائحة اتهام ضدي تتضمن تهما في مجال التجسس، قررت أن أقاوم.

وشكرا سلفا لنصائحكم، ولكن الحديث لا يدور هنا عن معركة على حريتي الشخصية فقط، إنها معركة على وجه الدولة، ضد الواقع العبثي الذي نعيشه.

والأمر الذي حدث خلال تحقيقات سابقة في قضايا المال والسلطة، هو الذي يحدث خلال التحقيقات المتعلقة بالقضايا العسكرية أو الأمنية، فكلها تحظى بموافقة الرقابة العسكرية قبل طبعها. وسواء دار الحديث عن تقرير يتناول الفترة التي كان رئيس الأركان غابي أشكنازي خلالها مواطنا يدير بعض المصالح التجارية، أو تقرير يبحث نبأ حول الخطوات التي قرر الجيش اتخاذها من أجل العثور على "جلعاد شاليط"، أو أي تقرير استقصائي حول مخالفة سلطات الجيش لأوامر المحكمة العليا التي تنص بوضوح على عدم تنفيذ الاغتيالات، وإن شمل تقريرك عرضا لمستندات توضح تفاصيل "عمليات الإعدام دون محاكمة"، فإن كل الأمور في عيونهم سواء.

أعلم أن الكتابة في هذا الموضوع تزعج الكثيرين من ذوي الشأن، وحتى بعض القراء العاديين. لكن هذا لا يعنيني، لأن وظيفة الصحافي ليست إرضاء قارئه ، أو مشغله أو قياداته. إن وظيفته هي إعطاء المواطنين أفضل الوسائل الممكنة من أجل الحكم على الأمور بشكل عقلاني، ومحاولة فهم ما يدور حوله. كل صحفي يعرف أنه لا يمكنه نشر أي تحقيق دون إثباتات لما يدعيه، لكن ما لا يعرفه أي صحفي إسرائيلي حتى اليوم، هو أنه قد يكون عرضة للاتهام بالعداء للدولة، وقد يجد نفسه قابعا في السجن بسبب تحقيقات من هذا النوع