[x] اغلاق
13/4/2010 14:31

هذا شعار كتبه المقاتلون، أبطال قلعة "بريست"، على جدرانها بعد أن تحصّنوا فيها وقاتلوا جيوش الظّلام العُتاة في أربعينات القرن الماضي، المحتلّ الألماني الفاشيّ الذي نزع من قلوب محاربيه شعور الرّأفة والرّحمة والحسّ الإنسانيّ البسيط..
لقد قتلوا الأطفال والنّساء والعجزة ورفعوا شعار طهارة عرقهم الآريّ وخصوصيّاته الفريدة التي لا يملكها أيّ شعب من شعوب العالم، ولذلك فإنّ عليه أن يسيطر على العالم بعد أن يمحو الشّعوب المنحطّة (حسب تعبيرهم) عن خريطة العالم.
كتب الأبطال على الجدران بدمائهم الطّاهرة "إِنَّنِي أَمُوتُ، وَلَكِنِّي لَنْ أُسَلِّم، وَدَاعًا يَا وَطَنِي، وَالمَوْتُ لِلْمُحْتَلِّين الألْمَان"..لقد قاتل المدافعون عن القلعة حتّى الرّمق الأخير من أجل دحر المستعمر مدّة خمسة أسابيع أو يزيد بالرّغم من الإمدادات الشّحيحة والموارد القليلة وانقطاع التّواصل الجغرافي والعسكري والإخباري

.

هذه الحقيقة دوّنها الكاتب السّوفييتي "سرغي سميرنوف" في كتابه "أبطال قلعة بريست" الذي استغرقت مدّة كتابته عشرين سنةً بعد أن نجح في جمع جميع الإفادات والمعلومات لتدوينها في كتاب يكون مصدرًا تاريخيًّا مهمًّا، لقد صدر الكتاب عن دار التّقدّم في موسكو، خلال سلسلة أصدرتها تحت عنوان "مقاتلون في سبيل وطنهم السّوفييتي"، وتقلّد الكاتب سميرنوف وسام لينين تقديرًا للجهد النّاجح الذي بذله، وكنت قد حصلت على هذا الكتاب من مكتبة طيّب الذّكر الرّفيق علي خمرة أبو خضر.
كانت كارثة وكانت بطولة وكان نصر جبّار بدحر الفاشيّة والنّازية الألمانية..
وأنا أقرأ هذا الكتاب تصفّحتُ في ذاكرتي حرب اجتياح لبنان في العام اثنين وثمانين من القرن الغابر ووصلت إلى الصّفحة التي تتكلّم عن كفاح المقاتلين الفلسطينيّين وصمودهم في قلعة الشقيف، في الجنوب اللبناني البطل، لقد دافع المحاصرون في القلعة حتّى آخر قطرة دمّ من آخر بطل دفاعًا عن لبنان وفلسطين..
وحين حضر مناحيم بيغن رئيس حكومة الحرب برفقة وزيرها أريئيل شارون إلى الموقع بعد سقوطه سأل بيغن ضابطًا إسرائيليًّا: "ألم يستسلم منهم أحد؟!" وكان الجواب:"لا لم يستسلم أحد لم أرَ واحداً منهم يرفع علمًا أبيض لقد فضلوا الاستمرار بالقتال وجميعهم قتلوا. فيسأل بيغن مندهشًا:"إذاً فهم قاتلوا؟!"وكان ردّ الضّابط:"نعم. يا سيدي وإنِّي لأشعر بالقلق"فضحك بيغن ضحكة صفراويّة، بعثت فيه الأرق، وفي من تولّى المناصب من بعده:"إنهم يقاتلون ويموتون".
كانت كارثة وكانت بطولة وكان نصر جبّار باستشهاد جميع المقاتلين دون أن يكتبوا على الجدران جملة "إِنَّنِي أَمُوتُ، وَلَكِنِّي لَنْ أُسَلِّم، وَدَاعًا يَا وَطَنِي" لأنّهم على يقين أنّهم سجّلوا في الذّاكرة العربيّة المقاوِمة درسًا ونصرًا في الصّمود والدّفاع، وليكتبوا بعد ذلك "ولنا عودة"..
إنّ صمود قلعة الشقيف كان حلقة من الحلقات التي رسمت انكسار الجيش الذي لا يقهر في لبنان وانسحابه في أيّار من العام ألفين.
وكم من قلعة صمد فيها شعبنا قاتلوا وماتوا (في قاموسهم) واستشهدوا (في قاموسنا) ليرى الشّعب الرّازح تحت الاحتلال نور الحريّة والاستقلال والسّلام، ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾.
فكانت كارثة وكانت بطولة وستكون دولة عتيدة مستقلّة كما ينصّه الشّرع الدّولي (إن كان منصِفًا) بصمود شعبنا ووضوح هدفه ووحدته التي لا بديل عنها..
"وَمَنْ يَأْمَنُ الدَّهْرَ!!"..