[x] اغلاق
زمن الوساطة في ضائقة!!
28/11/2023 13:53

زمن الوساطة في ضائقة!!

بقلم: مارون سامي عزّام

يواجه بعض الشبّان والفتيات بعد بلوغهم سن التأهيل، صعوبة كبيرة في إيجاد الإنسان الملائم لمشاركتهم حياتهم، بسبب المتغيِّرات الجوهريّة الحاصلة في مصانع حياتهم التي أنتجت مفاهيمَ خاصّة... ركَّبت لهم آليّاتها الحياتيّة تفكيرًا اصطناعيًّا محدودًا، توقَّف عند حدٍّ زَمني مغلق، إذ لا يشعُرون بتَغيُّرات محيطهم، نراهُم يتفوَّقون على ذاتهم، عندما "يتباهون" بتحفُّظهم من صيحات التطوُّر التي يعرضها أمامهم العصر، لذلك ينسون أنهم فقدوا رونقهم الاجتماعي. 

هؤلاء الشُّبّان والفتيات يحتاجون تحديدًا للّذين يستوعب احتياجاتهم في مثل هذا السِّن المتقدِّم... يحتاجون للّذين يتفهّمون طباعهم التقليديّة إذا صحّ التعبير، لأنّ عقليات هذه الفئة العمريّة ما زالت حبيسة معتقدات فكريّة شَبَّت عليها وترسَّخَت فيها، باتت رهينة حنينها إلى الماضي، لا يمكن أن تغيّرها أو تتنازل عنها، لأنها تشعُر أن هذه المبادئ لها قيمة معنويّة، نادرة الوجود في أيامنا هذه، وهنا يصبح اتخاذ قرار الزّواج بالنسبة لهذه الفئة الآخذة بالانتشار شبه مستحيل، فتستعين بعد تسليمها بقدرها بالوسيط.

بعض الفتيات يتعاملن مع مبدأ التعرُّف إلى شاب عن طريق الوساطة بفوقيّة غير مسبوقة، لا "تليق بمستواهنّ الاجتماعي"!! يشعرن أنهن أصبحنّ سلعة رديئة الجودة معروضة في سوق النّخاسة، لا يعترفنّ أنهن فقدن جاذبيّتهن منذ سنوات، فمن هذا المنطلَق يُسَلّمن ذلك الوسيط بيانًا إعلاميًا يُعدّدن فيه أسباب رفضهنّ للجلوس مع الشّاب المطروح للتعارف على أجندتهن المميّزة!! 

أهم أسباب معارضة الفتيات للشُّبان، عائدة لإصغائهنّ للثّرثارات السّخيفات النّاقلات صورة غير واقعيّة عن تصرّفاتهم "غير اللبقة" من "منظورهنَّ الخاص"، فيُسوِّقن لهنّ شكلهم بصورة كاريكاتوريَّة!، غير التي عرضها عليهنّ الوسطاء، هكذا يغتلن تطلّعات الشبّان قبل مجالستهم، يعتقدنّ أنهن ما زلن ضمن مجموعة "أقمار الجمال" التي تُحلِّق في فلكْ أنوثتهنّ الوهمي!! 

بين العازبات من يعتبرن الوسيط "دَقَّة قديمة"، وتدخُّله يُزعزع ثقتهنَّ بأنفسهنَّ، مع أنّه حياديّ الموقف، ووظيفته عدم فرض الشّبّان عليهنّ، بل إنّه يسعى لكَسْر قوالب الآراء المسبقة عنهم... النّصيب يومض كالبرق، يظهر للحظات في ليلة القدر ويختفي لفترة طويلة، يصحبه رعد تذمُّر الشّبان من الغطرسة السُّلوكيَّة الفجّة المعلنة لبعض العازبات طوعًا. 

هذا الأمر يحصل حتّى مع بعض الشّبان أيضًا الذين يُوكِلون أمرهم إلى الوسيط، ففي كثير من الأحيان يتحفّظون مسبقًا من تجسير الوسيط بين الأطراف، لاعتبارات غير مقبولة عليه! فمهما حاول تقديم تسهيلات في التقريب بينهم، أو قدَّم قناعات رائجة متداولة بين الجميع، لكنه يعجز أمام تيّار "المتشدِّدين" فتفقد وساطته قيمتها في توفيق "راسين بالحلال". 

نجاح الوساطة محدودة الضّمان، وقبل أن يرفع بعض الشّبان والفتيات عريضة احتجاجهم أمام الوسيط، عليهم أن يُنظِّفوا ذاكرتهم من نفايات الشّائعات المشعَّة تضخيمًا للعرض الشّخصي! أحيانًا يستغني أحد الأطراف عن مبدأ الوساطة لتضخُّم غدّة الأنا بداخلهم، أو لانتماءاتهم العائليّة، يرفضون مسار الحوار، لا يضعون أمامهم تصوُّرًا إيجابيًّا يدفعهم لعقد جلسة إقناع مع الوسيط، ربّما سيَقبَل أحدهم طرحه، لبدء مرحلة التعارف المبدئي كي يتم المُراد، ألا تقول النساء "النّصيب عجيب"...

أنا لم أقُل إنّ على الفتاة أن تجلس مكرهةً مع أي شاب يعرضه الوسيط، بل عليه أن يقدّم لها نبذة عن حياته الشخصية والمهنيّة، يُطلِعُها على صورة واضحة شاملة عنه، كذلك الأمر بالنسبة للشّاب الذي يتوخّى أن تتوفّر في الشريكة المقترحة مواصفات جمالية مقبولة من حيث الشّكل الخارجي، وأن تكون ناضجة اجتماعيًّا، وجاهزة نفسيًّا لسماعه والتعاطي معه بشكل جدِّي، والشيء الأهم أن تُدرك لِما هي مُقبلة عليه، لتتقرَّب من تفاصيل الحياة الجديدة التي تنتظرها معه.

الحب هذه الإيّام بدأ يفقد طعمه المحلّى بالتّنافس بين الطّرفين، لنيل شهادة القبول... المُحلّى بضرورة تفهُّم مستلزمات الحياة لضمان بقاء الطَّرفين في حلبة المناقشة الواقعيَّة، وليس بمشاركة عدَّة أشخاص، فهذا الأمر أعتَبره إفلاسًا لبنك أهدافهما، وإفشالًا مُسبقًا نابعًا من عدم استساغتهما، لتَمسُّكهما بثوابت شخصية تمنعهما من اتّخاذ القرار المصيري. 

الاستعانة بالوساطة عادةً قديمة، لكنها واقع ملموس تفرضه ظروف المجتمع على كل من الشُّبّان والفتيات الذين لم يدركوا بتاتًا أن عقولهم تخلَّت عن تيجان المراهقة منذ زمن بعيد، ولا يليق بهم أن تظل "تُزيِّن" هامات كبريائهم تباهيًا وغوايةً!! ويتناسون أنهم عَبَرُوا الحَيِّز الرُّومانسي الهادئ الذي عايشوه، فلا بد أن يدخلوا ديار الوساطة بأمرٍ من ضميرهم المغيَّب عنهم.