[x] اغلاق
لم أكُن خيارَهــا الأخير!!...
28/11/2023 13:54

لم أكُن خيارَهــا الأخير!!...

بقلم: مارون سامي عزّام

طيلة مسيرتي الإبداعية الطّويلة لم أوطِّد علاقتي مع أيِّ معجبةٍ بكتاباتي، لمجرّد أنها ألقت عليَّ التحيَّة، بل اعتبرتها عابرة سبيل كغيرها على مَمَر التقدير لا أكثر، أمّا تلك الآنسة فقد مَرَّت بي عدّة مرّات، عابرةً رواق الاستلطاف الضَّيِّق لتُغيظني، دون أن تُلقي عليَّ التّحيّة، لكنّني كنتُ أرى فرحها ينُوب عنها بابتسامةٍ على وجهها الفاتن، دون أن تُخفي عنه هذه "الشُّبهة"!!... 

...كانت نظراتها تَتَحرّى عنّي سرًّا، لم أفهم إذا كانت هي المحرِّضة الفعليَّة لها، أم أنَّ حراك نظراتها كان عفَويًّا؟! بدأتُ ألاحظ أن فضولها يزداد اشتعالًا من حولي، رغم أنّي بقيت غير مُبالٍ؛ حاولتْ كثيرًا استفزاز قلبي لتُوقِعه في بالوعة واقعها المُحتال، ولكنَّ وتيرة إيقاعه لم تتغيَّر... لم تتسارع يومًا لأجلها. بقيتْ مدّة طويلة تمارس عليّ عملياتها الخاصّة والخاطفَة دون حياء، لم تيأس من محاولاتها الفاشلة بتوجيه مِقوَد انتباهي لمسارها، "لتتّهمني ظُلمًا" أنّي اصطدمتُ بها شخصيًّا!! 

أوهمتُ نفسي بأن ما أراه يُعرَض على شاشة يقظتي فقط... ظننتُ أنّها تبغي منّي غرَضًا ما من وراء كواليس ابتسامتها "الاستعراضيّة"!، أو لعلّها "أحبّت" امتحان قدرة صمودي أمامها. طالما لم أتجاوب معها، كان عليها أيضًا أن تُوقف "ألعابها الحركيَّة"، لكنها لم تفعل، واستمرّت بالتطاول على حياديَّتي دون مُبرِّر، ربّما تعاني من خللٍ عقلي، أو تحتاج لمن يتعاطف مع حالتها!، فقرّرتُ قطعَ مشوار صمتي الطويل، لأفهم ماذا تعني بإرسالِها مثل هذه الإشارات؟!، أهي إشارات عبور لقلبها أم ماذا؟!، أم هي شارات توجيهيّة لآتي صوبها؟! 

توجّهتُ إلى مبعوثٍ خاص، أوكَلتُ إليه مَهَمّة حلّ لُغز تلك الإشارات الغريبة، فقدّمتُ له مُذكّرةً خاصة وملخّصة جدًّا عني ليسلّمها لها، نَفّذ المهمّة بحذافيرها. طال انتظاري لردّها الذي أرجأته عدّة مرّات. جعلَتني طرفًا في لُعبتها رغمًا عنّي، لتُصيب هدفها غير المعلن!... افتعلتْ أعذارًا واهية لم أصدّقها... أدخلتْ سفينة توقعاتي في بحر حيرتها الصّاخب الذي كان دائمًا في حالة مد وجَزر، تارةً توصل سفينتي إلى شاطئ تردّدها، وتارةً أخرى تجرّها إلى عُمق تفكيرها، لأنّ أعاصير الرّفض، الاستحالة والولولة على حظّها كانت أقوى من أي قرار ستتَّخذه. 

ذات يوم جاءني الرّد من مبعوث قصر كبريائها، وأخبرني أنّي لستُ خيارَها الأخير، وأنها لم تتعمَّد إيذاء مشاعري، أو الإساءة لاسمي، فقط حاولتْ كَسْب ودّي عن بُعد، هذا كان هدفها المعلَن، لدرجة أنها لم تتحمَّل مسئوليَّة ما قامت به، بل تنصَّلت منها، مَاسِحَةً أفعالها بمنشفة براءتها، متجبِّرةً عليّ، دون أدنى شعُور بالذَّنب... دون أن يُحاسبها أحد.

كَسْب الود يتم بالقيام بخطوة تعارف أوّليَّة، وليس عن طريق المعاكسة التي لا تليق بأمثالها. طَمَمْتُ الموضوع في أرضه، كما خبّأتُ تساؤلاتي في خندق تعجّبي الكبير. لو أدركتُ منذ البداية أن قصّتي معها ستنتَهي بهذا الشّكل، لتنَحَيتُ عن دربها دون إرباكها... دون أن تُسبّب لي هذا الإحراج الكبير الذي ولَّد إشكالًا مع إصراري الذي جرَرتهُ للقيام بهذه الخطوة البائسة... 

...عمليًّا نَجَحَتْ باستمالتي نحوها، لتقُول أنّها استطاعت أن تحطِّم صورة الرَّجل غير المُبالي، ومن حقها اختيار الشّخص الأقوى منّي على اختراق خشونة غلاف قلبها، لكن لا يجُوز لها أن تجعل أعصابي أرجوحتها لتتأرجح عليها كما يحلو لها، لتستنزف طاقتي النَّفسيَّة التي لا تطيق أي مضايقات!!         

بلى كنتُ مباليًا بها لإشفاقي عليها، ولكن أعترف أنّي لا أمتلك القوّة التي تسعى إليها، إنّما قوَّتي تكمن في حضوري أمامها. ليتها تسمعني جيِّدًا تلكَ الآنسة: "أنا لم آتِ من وحي أسطورة "ألِس في بلاد العجائب"، ليطفح كيل إعجابها من شكلي على ضفاف ابتساماتها ونظراتها!، أو تعتقد أنها داعبت دمية صمّاء فرَمَتها أرضًا!!... أنا أرفض قَطعًا هذه التِّمثيليَّات!!، ويجب أن تَفْهَم أن ما قامت به هو ضعف شديد في أسلوب تعاملها اللبِق مع الآخرين. 

من دفعها نحوي؟!، لا أعرف، وليس لدي نيَّة البحث عن ذلك الشَّخص، لأنّي ساعتئذٍ سأمنحها شرعيّة اهتمامي بها، ستُدرك أنّي كنت منزعجًا من حشرجة ردِّها، ولن أمنحها هذه "الجائزة". ما جرى لي معها اعتَبَرته حدثًا جانبيًّا غير مؤثِّر، وبما أنّني لم أكُن خيارها الأخير، فلماذا أوقفَتْني طيلة هذه المدّة في مخفر تعاستها؟!... حتّى أجهضتْ ولادة طفل تفاؤلي!! 

ألهذه الدّرجة أثَرتُ حب استطلاعها؟! ألَم يكُن الأجدر بها تُطلق سراحي من مخفرها بأسرع وقتٍ ممكن؟!!، دون أن تعذِّب سذاجتي في قبو استغاثَتي، أرجو منها أن تُراجِع تصرّفاتها حالًا، ألَم تلاحظ كيف فرضَتْ ابتسامتها وجودها عليَّ أكثر، فلسَعَتني كالدّبّور؟!... فإذا فقدت هذا الشّعور، هذا يعني أنها ساديَّة الأحاسيس، ونظراتها الاستطلاعيَّة كانت رادارًا مخترِقًا لخاصيَّتي!!

عندما قرَّرتْ تجاهلي، أرسلتها عبر بريد النّسيان المستعجل إلى حيِّ شعبي معروف اسمه "الماضي"، لأحافظ على الأمن الاجتماعي الذي كان سائدًا بيننا، ما قبل بدء مناوراتها، لأفصل ما بين كوكب جدّيّتي الثّابت، وكوكب عقليتها السيّار، أعمل على إبعادهما عن مسار التصادُم الحتميّ بينهما، بنظري خيارها الأخير لن يكون مجرّد انحناءة ندم أمامي، بل سيكون ركعة اعتذار منّي...