[x] اغلاق
عندما لا تموت الرّجال
21/12/2023 8:18

عندما لا تموت الرّجال

لذكرى رحيل الشيخ الفاضل مزيد سليم خنيفس

بقلم: زايد صالح خنيفس

لا تموتُ الرجالُ أبدًا، بل تبقى أعمالهم قناديل الطّريق إلى قلب الله، ولا يموتُ من قال كلمة الحق لأن حروفها مقدّسةٌ، وقائلها نطق بها من وحي إيمانه، ولا تنهار جسور المحبّة لأن بانيها عرف قيمة النهر، السّواقي تعرف ارتفاعها في سهول نشدَت سلامًا وتسامحًا.  ما أروع الله في مقامه، وما أرقى إنسانٌ سخّره الله ليكون منارةً لشواطئٍ لا تُضيِّع البحار سفنها.  

لا يموت من بَذَرَ بذور الخير في تربة أثمرت أبناءً وأحفادًا، وامتدَّت حدائق العطاء في مجتمعٍ... لا يموتُ من فكَّر بغيره وبفقير يشتهي كسرة خبزٍ في سهل حوران.

شيخٌ أكلته غيرته ونامت عشيرته بضميره، فلا تقاس النّاس بأعمارها بل برافدٍ أصرّ على معانقة السّواقي، فما أروع أن تكون نهرًا من العطاء وموسمًا من الإنسانيّة لا ينتهي.

أدرك المرحومُ قُرب النهاية، فالبدايات لها فصولها الأخيرة، فهمس بأذن نجله كلمات لم يسمعها إلّا الله، قائلًا: "ليكُن مأتمي مقتصرًا على أهل بلدتي، رافعًا التكليف ومشاق السّفر عن أسراب المعزّين ومن أدركوا الواجب، فكم كنت أيها الفقيد الغالي كبيرًا في حياتك ومتواضعًا في مماتك.

لا تموت الرّجال أبدًا بل يبقى التّراب نديًّا بهم، غطاءهم مخافة الله، وأعمالهم الطيبة مِسكًا وعطرًا تفوح من زوايا السنين، تُبصرها خطوات طفلٍ بأدراجه الأولى، وفي ربوع بلدٍ تعرف قيمة أبنائها البررة. لا تموت الرّجال وإن رحلت أجسادهم، فأرواحهم تُزهِر بالذّكرى على دروب الذّاكرة.

ما أحوجنا في هذا الزمن الصعب لرجال الله على الأرض، ينشرون عبق السلام والتسامح ومحبّة الآخر، وعقد رايات الصلح، وما أحوجنا للكلمات الطيبة الآتية من ينابيعها في رأس الحواكير ومواسم البركة

من لا يحمل رسالة في تزاحم البشريّة، فلا قيمة لوجودِه، والرّاحل حمَلَ رسائل الخير لنفسه ولعائلته، ففحواها مجتمعٌ يصبُو نحو رفعته وآماله، يحلم بغدٍ واعدٍ     

May be an image of 1 person