[x] اغلاق
وقفة التضامن مع مسيحيي العراق
24/4/2010 18:17

 دعا الأساقفة المسيحيون في الجليل إلى قداس ووقفة تضامنية مع مسيحيي العراق، في عبلين، في كنيسة العظة على الجبل. وحضرها إلى جانب الأساقفة ورجال الإكليروس، السفير البابوي في الأراضي المقدسة، وفضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، والشيخ سمير عاصي قاضي عكا الشرعي، وكانت هذه بالأحرى صرخة احتجاج يطلقها أبناء الجليل الأشم بكافة طوائفهم وأطيافهم، يطلقونها في وجه التعسف وسفك الدماء، في وجه القتل وإزهاق الأرواح البريئة، في وجه التشريد والتهجير، في وجه التعرض للمقدسات والقديسين، في وجه من تسول له نفسه الاعتداء على الأساقفة، على الكهنة، على الرهبان، على الراهبات، على المؤمنين رجالاً ونساءً، على الأولاد والأطفال على الرضّع والمعاقين، على الأيتام والأرامل.
إنه القتل لمجرد القتل، إنه التشريد لإخلاء البلاد من ساكنيها، إنه التهجير لحرمان الإنسان من وطنه، إنه اللجوء الذي لا عودة بعده.. وهذا ما حصل في العراق الجريح، في مدنه وقراه وأريافه.
فأين هو شعب العراق؟ أين هم شعوب بلاد ما بين النهرين؟ أين هم أحفاد الأنبياء والمرسلين؟ أين هم نسل بناة الحضارة؟ وأين هم نسل رواد العلوم الذين فتحوا للعالم أجمع، آفاق المعرفة والعلم والنور؟ أين هم أبناء الفاتحين وبناة العمران؟ هل يستعيدون نكبة البرامكة ولكن مع المسيحيين؟ هل يبيحون المجازر، كتلك التي تعرض لها المسيحيون في أنحاء مختلفة من العالم؟
ولكن في العراق، وفي مدنه المختلطة حصرًا، لماذا يخون الجار جاره ويهتك عرضه؟ لماذا يستبيح الزميل عائلة زميله وينتهك حرماته؟ لماذا يُقدِم المؤمن على الاعتداء على الأماكن المقدسة، فيدنسها، ويعيث بها فسادًا؟ لماذا يحرقون الكنائس والكتب المقدسة والإيقونات ويحطمونها؟ لماذا يهدمون دور العبادة والأديرة والمدارس ومساكن الكهنة ويضرمون النار فيها؟ لماذا يُطلب من المسيحي أن ينكر مسيحيته لكي ينجو من القتل؟ لماذا ينتقي القتلة والسفاحون الكهنة والراهبات للفتك بهم والاعتداء عليهم بالترهيب والتعذيب والاغتصاب؟ لماذا يخطفون الشباب في ريعان شبابهم ثم يلقون بهم جثثًا هامدة على جوانب الطرقات؟ لماذا ينكلون بهؤلاء المسيحيين أشنع تنكيل ويذيقونهم صنوف العذاب؟ ما هذا إلا وحشية وعمل بشريعة الغاب.. إنه التجرد من الإنسانية والهرب من وجه الله.. إن الظالمين لا يرثون ملكوت الله كما قال رسول الأمم القديس بولس.
لقد مرت المسيحية والمسيحيون على مر العصور بفترات التعذيب والاضطهاد، ومراحل التقتيل وعهود التشنيع بهم ولكنهم لم ينثنوا عن إيمانهم.. لم يبتعدوا عن مسيحهم.. لم ينكروه ولم يجحدوه.. لم يعبدوا الوثن بدلاً من الله، ولم يسجدوا للأصنام بدلاً من السجود للرب.. ولم يقبلوا حياة أفضل إذا تبعوا دينًا غير دينهم.. لقد حاول نيرون وزمرته، وذيوكلسيانوس وجنوده إبادتهم.. لكنهم تشبثوا بإيمانهم الذي كان يترسخ أكثر وأكثر.. إنه إيمان متقد بحرارة، ومتين فلا يتزعزع.. وهذا جعل المسيحيين يتكاثرون في العالم وتزداد أعدادهم، حتى أصبحت المسيحية اليوم أكبر ديانة في العالم أجمع. فما بال هؤلاء السفاحين لا يرعوون؟ لماذا لا يتعظون؟ ألم يتعلموا أن المسيحي المتمسك بعقيدته لا ينثني عنها حتى الموت؟؟ هذا الموت هو الشهادة التي يتمنى أن ينالها كل مسيحي.. إنها الشهادة التي كان المسيحيون يقبلون عليها في العصور الوثنية، وحتى إبان عهود الظلام وقمع الإيمان، يقبلون عليها بسرور وحبور.. فشهداء العراق المسيحيون هم القديسون.. هم الشفعاء لنا في حضرة الباري عز وجل.. هم الذين التقوا بسيدنا يسوع المسيح الذي قهر الموت والقتل وقام منتصرًا، ظافرًا، غالبًا للموت وصارعًا للجحيم.
قال يسوع: "أنا هو الطريق والحق والحياة.. لن أدعكم يتامى، بل سآتي إليكم.. لا يضطرب قلبكم ولا يجزع.. أثبتوا فيّ وأنا فيكم.. فوصيتي أن يحب بعضكم بعضًا كما أحببتكم أنا.. إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم.. إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم أنتم أيضًا.. والآن ليس لهم عذر في خطيئتهم.. سيخرجونكم من المجامع ويظن كل من يقتلكم أنه يقدم لله عبادة.. إنكم تبكون وتنوحون والعالم سيفرح، ولكن حزنكم سيأول إلى فرح.. وإذا حزنتم الآن فستفرح قلوبكم ولن ينزع أحد فرحكم منكم.. لكن ثقوا فإني قد غلبت العالم.. فاحفظهم أيها الآب من الشرير.." لقد قال وهو على الصليب: "يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.."
إن تعاليم المسيح والحُبَّ الذي ميّز المؤمنين به يجعل كل مسيحي مسيحًا يحب الآخرين.. وقال: "طوبى للحزانى فإنهم يعزون.. طوبى للرحماء فإنهم يرحمون.. طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون.. طوبى للمضطهدين لأجل البر فإن لهم ملكوت السموات.. طوبى لكم إذا اضطهدوكم وقالوا عنكم كل كلمة سوء لأجلي كاذبين.. إفرحوا وابتهجوا فإن أجركم عظيم في السماء.. هكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم.. أنتم ملح الأرض.. أنتم نور العالم.."
وكان أبناء الطوائف المسيحية قد جمعوا تبرعات لمساندة مسيحيي العراق، خلال صلواتهم في عيد القيامة المجيدة.
نايف خوري
24.4.2010