حمل الألقاب ليس سهلاً!! 8/3/2012 10:34
حمل الألقاب ليس سهلاً!!
بقلم: مارون سامي عزّام
"مش كل مين غنّى، غنّى" هذا المثل الشعبي البسيط، ينطبق على كل من ادّعى "أنا كاتب" أو "أنا شاعر"... "أنا مطرب"، لأن حمل هذه الألقاب ليس سهلاً في زمننا هذا، ويجب ألاّ يحمله بعض الكتّاب تباهيًا، من أجل إرضاء كبرياء أجوف... أو سعيًا وراء مكسب جماهيري لإشباع غريزة حب الظّهور لديهم. الألقاب لها هيبتها... لها وزنها المعنوي، وقيمتها التقديريّة توازي أي جائزة مادية يحصل عليها أي ممثّل أو مبدع، بعد أن قدم للناس فنه بعد عطاء وجهد كبيرين، وضحّى كثيرًا في سبيل الوصول إلى قمّة مجده الفني أو الأدبي. بعدما تمضي فترة طويلة على مشواره الإبداعي، يحين وقت الاستحقاق، لينال جائزة ما، عن جدارة، وليس عن طريق سمسرة أدبية رخيصة، إذا صحّ التعبير، أو على أكتاف الوساطة.
لقب كاتب: لقب جميل، لكن مطلوب من حامله التقرب من دنيا الثقافة الشاملة، ليُثري فكره، حتّى يتسنّى له تأسيس بُنية إبداعيّة متينة. بهذه الطّريقة المشروعة والمتداولة بين الكتّاب المعروفين، تبدأ بلوَرةُ اللقب تأخذ وضعيّتها الصحيحة، شيئًا فشيئًا في حياتهم الأدبية. على الكاتب أن يتمتّع بموهبة الكتابة، كي يكتسب قدرة تعبيرية مميّزة، لأن اللقب الذي يطمح إليه أي كاتب مبتدئ هو الموجِّه والمحفّز له على الإبداع، والكلمة هي الأداة التي يشق بها طريقه إلى اللقب.
لقب "كاتب"، بات اليوم مستباحًا من قِبَل البعض، في عصر الإنترنت الذي يُتيح لأي شخص فشِلَ في نشر كتاباته في الصّحُف، أن يتخطّى العقبات التحريرية، التي يضعها أمامه محرّرو الصّحف، من خلال لجوئه السَّهل، لأي موقعٍ ينشُر فيه كتاباته، كما يشاء، لأنّ أصحاب المواقع ليسوا أصحاب خبرة أدبية، بل أصحاب خبرة إلكترونية صرفة، فلجوء بعض الكتّاب إلى هذه المواقع، هو بهدف الانتشار الصُّوري والفوري، الذي لا يؤثّر في القرّاء، وبالنسبة لهذا الكاتب المتطفل على الأدب مجرد رحلة استجمام أدبية - إذا جاز التعبير- ليُريح دِماغَه من ضغوطات الكتابة الجيّدة ومَشَقَّتِها!!.
مطرب: لقب خطير جدًا، لأنه يقف أمام جمهور مستمعين، والجمهور هو الحَكَم الأول والأخير على نجاحه... وهو الحَكَم الأول والأخير في تحديد مستقبله، لأن لقب "مطرب" يعني أن يتمكَّن صاحبه من تشنيف آذان المستمعين وإطرابهم، وأن يقنعهم بقدرته وبتمكنه من فن الغناء والطرب، فكم من "مطرب" محلي يقود فرقته الموسيقية، نراه واقفًا على خشبة المسرح، "باللوك الجديد"، وكما يُطلَق عليه حسب اللغة الترفيهيّة الدّارجة New Look. بعض المطربين يمارسون على المسرح رياضات بهلوانيّة، ليهيّجوا الجمهور في الحفلات، يُغنّون وصلة من الأغاني اللبنانية أو حتّى العربيّة القديمة، التي باتت اليوم موضة، كما يحلو لهم، يُضيفون عليها كلمات غريبة من "فيض خيالهم" الرّحب!!، والسّبب... ليس لأن معظمهم لم يعاصروها، بل لأن زميلهم غنّاها في حفلاته، يعني مبرمجون كما تعمل أدوات الحاسوب، "نسخ" و"لصق".
إذا تعمقنا في ثقافة معظم مطربينا المحليين، نكتشف أنّهم معدمون فنيًا، لكنهم أثرياء ماديًا، هذه هي أسس المعادلة، التي يعمل بها معظمهم، فهم يُغنون دون أن يضحوا من أجل رفعتهم الموسيقية، وجميع كمالياتهم الخارجية "اللي بهيلمو فيها على الناس" ليست إلاّ للفت الأنظار، للتغطيّة على شح موارد ثقافتهم الموسيقية... وللتغطية على نعيق صوتهم.
الألقاب إجمالاً تتطلّب التضحية، كونها "الفانوس السحري العجيب" الذي يفتح دروب الإبداع العديدة والصعبة جدًا، لكل من أراد أن يحمل لقبًا. هكذا فقط يرى المبدع ثمرة تضحيته تتجلّى أمامه فيما بعد. المثابرة، تُعتَبر الجليس الحقيقي، لكل من أراد أيضًا أن يحمل لقبًا، لتضعه على أولى درجات الوصول إلى نيل وسام اللقب الرفيع، شريطة ألا يتوانى، وأن يضحّي من وقته وفكره في سبيل الحصول على اللقب المنشود.
الألقاب ليست مهمة على الإطلاق، لأن بعض منتحليها ينتابهم الغرور، و "هون المصيبة"، فنراهم لا يهتمون بتقديم الجديد، ويكتفون بما كتبوا، أو يكتبون من أجل الظهور، ممّا يجعل القراء يتجاهلونهم وينبذونهم. أنصحُ كل هاوٍ أن يفهم قيمة ما يكتبه أولاً، ولو كتَب مادة واحدة إبداعية راقية في الشهر أو في السنة، بشرط أن تكون لها قيمة إبداعية ولغوية، فإن ذلك يكفي لتبدأ قيمة ذلك الكاتب المبتدئ تظهر وتتبلور بين النّاس مع الزمن، وتخُط الرّسم البياني لإعجابهم بأسلوبه، هنا أقصد مدى تقبّل الناس لأسلوبه، لذلك عليه الاهتمام بالكيف لا بالكم وتقديم الأفضل والأجود قبل البحث عن الألقاب.
(شفاعمرو)
|